الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

الآراء التربوية المستنبطة من مؤلفات الشيخ حماد الأنصاري (رحمه الله )

المملكة العربية السعودية              بسم الله الرحمن الرحيم
وزارة التعليم العالي
الجامعة الاسلامية بالمدينه المنورة
كلية الدعوة واصول الدين
قسم التربية الاسلامية
البرنامج المسائي





عمل إضافي
 بعنوان:
الآراء التربوية المستنبطة من مؤلفات الشيخ حماد الأنصاري
(رحمه الله )



تقديم الطالب: عبدالرحمن مرزوق ضيف الله الجهني
الرقم الجامعي : ( 327325360 )
                             الشعبة:    ( 2 )
المستوى الثاني 1434 هـ
مــادة / الدراسات التربوية عند علماء المسلمين


مقدم لفضيلة الاستاذ الدكتور/ عبدالرحمن الانصاري    حفظه الله






بسم الله الرحمن الرحيم
                                       الفصل الاول
                                           مقدمة
الحمد لله رب العالمين ,القائل في كتابه المبين: اقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق  اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم  علم الإنسان ما لا يعلم والصلاة والسلام على النبي المربي المبعوث  رحمة للعلمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين,                وبعد:
إن الله سبحانه أرسل الرسل, وأنزل الكتب, ليهدي الناس إلى الحق , ويخرجهم من ظلمة الكفر, والشرك, والنفاق,  إلى نور الإيمان الذي يستضاء به إلى الصراط المستقيم الذي يوصلهم إلى النعيم, ويبعدهم عن الجحيم.
وإن الأنبياء عليهم السلام قاموا بواجبهم أتم قيام , وأكمل وجه, وعلى رأسهم أفضل الأنبياء وخاتم الرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, فبلغ  الرسالة الموحاة إليه من الله سبحانه إلى البشرية جمعاء , ودعا هم إلى الدين الإسلامي الحنيف  السمح, وأرشد هم إلى كل خير وحذّرهم من كل شر, ,وطبق صلى الله عليه وسلم تعاليم الإسلام كلها في حياته,  وربّى على ذلك  أصحابه تربية لم يشهد لها تاريخ البشرية, حيث غرس صلى الله عليه وسلم في نفوسهم حب  كل أنواع الخير , وبغض كل أصناف الشر  للبشرية أجمع, ونفخ في نفوسهم روح المودة والمحبة, والتآخي والتآلف, وعوَّدهم على البذل والعطاء,  فأصبحوا قدوة يُحتذى بها, وأسوة حسنة يُتأسى بها , وأمة يضرب بها المثل في الأخلاق والكرم , والشجاعة, والبسالة, بل في جميع الصفات الإنسانية الحميدة.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حمل هؤلاء الصحابة -الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم أمام عينيه-رسالة الإسلام إلى أنحاء المعمورة, فدخل الناس في دين الله أفواجاً, وأصبح الإسلام وتعاليمه من أكثر الأديان انتشارا وأتباعا.
وبعد انقراض عهد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين, جاء التابعون ومن بعدهم , واقتفوا آثار هم, وتخلقوا بأخلاقهم , واستهدوا بهديهم, وساروا على منهجهم , فخدموا الدين , وأسهموا إسهاماً كبيراً في نشر الإسلام بتأليف الكتب, وتدوين الأحاديث , وتقعيد القواعد, وتعليم الناس القرآن والسنة, وتربيتهم على ذلك بربط سلوكهم بما جاء في القرآن والسنة ,  فكانت لهم سيادة وقيادة, وكانوا أعزاء مُكرمين محترمين.
وبعد القرون المفضلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم :" خير كم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"( بخاري:2/938/2508 ) بدأ المسلمون يبتعدون عن تعاليم الإسلام في تطبيقها في حياتهم شيئا فشيئاً , وبدأ يظهر فيهم الانحراف الفكري والعقدي بقوة, مع أن نواة  هذه الانحرافات كانت موجودة من قبل, ولكنها الآن بدأت تتبلور, وتنتشر, فظهرت فرق كثيرة منتسبة للإسلام , فالعلماء- رحمهم الله- واجهوا هذه التيارات الفكرية الهدامة, وبينوا للناس الحق, ودعوهم إلى تعاليم الشريعة الإسلامية وتطبيقها في حياتهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
واستمر الأمر على ذلك , مع استمرار الصراع بين الحق والباطل, وواصل العلماء –رحمهم الله-سيرهم نحو بيان الحق , وكشف الزيغ, وإبراز محاسن الإسلام والدعوة إليه , والدفاع عنه, و تعليم الناس الدين, وتربيتهم  عليه .
حتى جاء عصرنا الحاضر الذي انتشر فيه الشر والفساد, وكثرت الجرائم الأخلاقية والسلوكية, ووفدت من المجتمعات الغربية المفككة, أفكار ونظريات تربوية هدامة للأخلاق إلى المجتمعات الإسلامية, وانخدع كثير من المسلمين بخلا بتها الزائفة المسمومة, وتأثروا بها تأثراً كبيراً.
ولما اشتد الأمر , وأصبح العالم الإسلامي في عناء شديد , وضياع كبير في محاضن التربية الغربية , مست الحاجة إلى العناية التامة, والاعتماد المباشر على الأصول الإسلامية في بناء أنظمته التربوية,  والاستفادة من آراء العلماء المسلمين البارزين, الذين تمثلوا الدين الإسلامي حقيقة واقعية, وطبقوه تربية عملية.
ومن هنا جاءت أهمية بيان الأفكار, والآراء, والأساليب التي خلفها العلماء المسلمون الأفاضل على مر القرون .
 ومن العلماء الأفاضل , المشهود لهم بالخير, والفضل , ولهم دور كبير في تربية الفرد, والمجتمع, وإصلاح الأمة, فضيلة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله (من علماء المدينة النبوية) حيث خلف تراثاً علمياً قيماً ينبغي الاعتناء به, والاستفادة منه.
 وانطلاقاً من هذا  رأى الباحث أن يكون عنوان بحثه ( الآراء التربوية المستنبطة من مؤلفات الشيخ حماد الأنصاري (رحمه الله ) ).

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملي هذا مقبولا ويوفقني للصواب ويجنبني الخطأ والزلل ,فهو الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.






مشكلة البحث و التساؤلات :
التربية الإسلامية هي النابعة من القرآن الكريم والسنة المطهرة, وفي الوقت الحاضر ينادي علماء التربية المسلمين بإتباع أقوال علماء الغرب من غير المسلمين, ومع أن بعض آرائهم جيدة, إلا أن الكثير منها يخالف الإسلام, لذا وجب علينا الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة وإلى تراث علماء الإسلام للاستفادة منه في حل قضايانا المعاصرة, وفي ضوء ذلك يمكن تحديد مشكلة البحث في الإجابة عن السؤال الرئيسي التالي:
_ما الآراء التربوية المستنبطة من مؤلفات الشيخ حماد الأنصاري – رحمه الله-؟
ويتفرع من هذا السؤال الأسئلة التالية:
_ما  ملامح حياة الشيخ حماد الأنصاري ؟
_ما العوامل التى أثرت فى بناء شخصية الشيخ وماهي ملامح التربية الإسلامية عنده ؟
_ما  الجوانب التربوية فى مؤلفات الشيخ حماد الأنصاري  ؟

أهداف البحث: يمكن الإشارة إلى أهداف البحث فى النقاط التالية:
-معرفة نشأة حماد  الأنصاري و إبراز أهم ملامح حياته رحمه الله.
-الوقوف علي العوامل المؤثرة فى تكوين شخصية الأنصاري وملامح التربية الإسلامية عنده.
-الكشف عن الجوانب التربوية المختلفة في مؤلفات الشيخ حماد الأنصاري.

أهمية البحث:
ويرى الباحث أن أهمية دراسة الآراء التربية فى كتابات حماد الأنصاري يمكن إبرازها من الاعتبارات الآتية:
1-إن هذه الدراسة تأتى متمشية مع حركة إحياء وتأصيل الفكر التربوى الإسلامي
2_إن هذه الدراسة قد تسهم مع غيرها فى تأكيد الهوية للفكر التربوى الإسلامي.
3_إن هذه الدراسة قد تلقى الضوء على بعض المشكلات التى تعانى منها العملية التعليمية الحالية، حيث أن هذه المشكلات ليست بالطبع وليدة اليوم، وإنما تمتد بجذورها إلى الفترات السابقة.
4_إن الشيخ حمادا الأنصاري قد عايش العملية التعليمية ومارسها فترة ليست بالقصيرة، وقد جعله هذا أكثر إدراكاً لمشكلات التعليم ومطالبة و بالتالى كانت آراؤه وتصوراته للعملية التعليمية مبنية على أساس من فهم الواقع . 
  
حدود البحث :
سوف يقتصر هذا البحث على الآراء التربوية للشيخ حماد الأنصاري من خلال مؤلفاته.

منهج البحث :
للإجابة علي أسئلة البحث , وتحقيق الأهداف المشار إليها ,فإن الباحث استخدم المنهج الوصفي و الاستنباطي. كما قام الباحث بالأمور التالية :
عزو الآيات القرآنية إلي أماكنها في القرآن الكريم , بذكر اسم السورة , ورقم الآية .   -
عزو الأحاديث النبوية إلي مصادرها .

مصطلحات البحث :
-الفكر التربوي: ويقصد به الآراء والتصورات والمبادئ التي قدمها علماء التربية أو النظرية التربوية كما يتصورها علماء التربية .
ويقصد به هنا البحث عن  الآراء و الأفكار التربوية عند  الشيخ حماد الأنصاري ومجموعة المفاهيم والتصورات التى تتصل ببعض المفاهيم والقضايا التربوية والتعليمية.

الدراسات السابقة:
فى حدود علم الباحث ليست هناك دراسات علمية تناولت الجانب التربوى للشيخ حماد الأنصاري رحمه الله .










الفصل الثاني
حياة الشيخ حماد الأنصاري و نشأته .
المبحث الأول: ترجمة موجزة للشيخ حماد الأنصاري (رحمه الله):
نسبه ومولده : هو حماد بن محمد بن محمد بن حنه بن المختار بن محمد البشير, من ذرية سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجى الأنصاري.
ولد سنة(1344)هـ في بلدة (مناقة) التي تسمى اليوم (تاد مكة) في أفريقيا الغربية من بلاد (مالي) كما تسمى اليوم. (الأنصاري:1422: 153)
نشأته العلمية :
 نشأ رحمه الله يتيما,حيث مات أبوه وهو ابن ثمان سنوات , فعاش رحمه الله في كنف عمه, وأخواله, ووالدته, فقد كان من حوله, من أقربائه من جهة أبيه  وأمه, فيهم طلبة العلم, والعالم, والمفتي, والقاضي. فمنذ نعومة أظفاره , وأهله مهتمون به, ويعلمونه , فقد كان عمه الملقب بالبحر عالِم أفريقيا قاطبة ومفتيها, ولُقِّب بالبحر لسعة علمه, ودقة فهمه, وندور مثله , في صحراء أفريقيا وحاضرتها, ( الأنصاري :1422: 8)
وكان خاله محمد أحمد بن  تقي الأنصاري الملقب  ب (أستاذ الأطفال) مقرئاً لاعتنائه بإقرائهم القرآن, وذكر الشيخ -رحمه الله- أن السخاوي في كتابه (الضوء اللامع) ترجم لبعض أجداده , منهم : محمد بن يوسف الأنصاري , وهناك بعض أجداده , تُرجِم لهم في كتاب عنده في ثلاثة مجلدات.(الأنصاري: 1422: 2/786)
حفظ القرآن الكريم وعمره ثماني سنوات , ثم أخذ في علم القراءات فعرفها, وأتقن حفظ القرآن عليها , ولم يبلغ سن الرشد حتى أصبح يحفظ شيئا كثيرا من المنظومات , فقد كان يحفظ "الملحة" للحريري, و "الكافية" لابن مالك, و " الألفية" له , ويحفظ أكثر من منظومة في الصرف , ويحفظ " الألفية " في أصول الفقه للسيوطي, وكذلك " "جمع الجوامع" في الأصول  للسبكي, ويحفظ "المعلقات السبع" وقصائد الجاهلين, و"مقصورة ابن دريد" ويحفظ منظومة في حروف الُجمَّل , كما كان يحفظ منظومة طويلة في التنجيم.(الأنصاري: 1422: 8-9)
رحلاته العلمية :
 رحل رحمه الله إلى بلاد كثيرة  مثل : الهند, والمغرب, وتونس, والجزائر, ومصر , والسودان, وأسبانيا, وإيطاليا, ومصر , وسوريا, حتى قال رحمه الله : "وقد عزمت على  أن أطوف العالم كله حتى الصين, ولكن لم يتيسر" وهذه الرحلات كلها قام بها, وتجشم صعابها, لأجل طلب العلم, بجمع الكتب والمخطوطات النادرة.( الأنصاري: 1422: 2/771-779)
شيوخه :
تلقى رحمه الله العلم عن مشايخ كثيرين في بلاد مالي في أفريقيا , وفي المملكة العربية السعودية بعد هجرته  إليها عام 1366هـ, ومن أبرز شيوخه في أفريقيا:
1-خاله المقرئ محمد أحمد بن تقي الأنصاري. 
2-عمه الشيخ محمد أحمد بن محمد الملقب بالبحر لتبحره في العلوم.
3-ابن عمه موسى بن كسائي.
4- الفرضي حمود بن محمود الشريف الحسني.
اتصل الشيخ رحمه الله بعدد من أهل العلم بعد قدومه إلى بلاد الحرمين أخذ عنهم العلم وأجازه البعض الآخر, منهم:
1-الشيخ عبد الرزاق حمزة
2- الشيخ العلامة حسن المشاط
3- الشيخ محمد العربي التباني
4- الشيخ محمد أمين الحلبي
5- الشيخ حامد الفقي
6- الشيخ محمد بن تركي
7- الشيخ محمد خيال النجدي
8-الشيخ عمر البري
9-الشيخ محمد الحافظ
10-الشيخ حبيب الرحمن الهندي
11-الشيخ عبد الرحمن الأفريقي
12-الشيخ عبد الشكور الهندي
13- الشيخ سليمان بن حمدان
14-الشيخ محدث الحجاز عبد الحق الهاشمي العمري
15- الشيخ محمد عيسى الفاداني
16-الشيخ عبيد الله الرحماني  المباركفوري
17-الشيخ قاسم بن عبد الجبار الفرغاني وغيرهم كثير. (الأنصاري: 1422: 177).


تلاميذه :
إن تلا ميذ الشيخ رحمه الله كثيرٌ جداً لا يمكن حصرهم  ولكن أذكر هنا بعضاً من أبرزهم:
1-الدكتور بكر أبو زيد  يرحمه الله                     2- الشيخ ربيع بن هادي المدخلي
3-الشيخ صالح بن عبد الله العبود     4-الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشئون الإسلامية
5-الشيخ علي بن محمد بن ناصر الفقيهي             6-الشيخ صالح بن سعد السحيمي                                                                                       
7-الشيخ عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري             8-الشيخ مرزوق بن هياس  الزهراني
9-الشيخ عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف يرحمه الله  10-الشيخ صالح بن محمد الفهد المزيد
11-الشيخ محمد بن خليفة بن علي التميمي           12-الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
13-الشيخ مساعد بن سليمان الراشد الحميد          14-الشيخ شمس الدين الأفغاني
15- الشيخ عبد الرحمن الفريوائي                       16-الشيخ عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي
17-الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي المغربي        18-الشيخ محمد بن ناصر العجمي الكويتي
19 - الشيخ صالح بن حامد الرفاعي اليمني          20- الشيخ ناصر بن علي عائض الشيخ اليمني
ثناء العلماء عليه :
 تحدث عنه عدد من كبار العلماء, حيت قال عنه الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع –عضو هيئة كبار العلماء-: "لقد فوجعنا بوفاة عالم كبير وشيخ من مشايخنا الأجلاء هو فضيلة الشيخ العالم العلامة الحافظ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري".
 وقال عنه فضيلة الشيخ حماد البسام- عضو هيئة كبار العلماء-: "لقد عرفت الشيخ حماد بقوة معلوماته عن علم الحديث , حيث كان ضليعا فيه, ومرجعا لكل سؤال.....". (الأنصاري: 1422: 49)
وقال الإمام المحدث الألباني رحمه الله في معرض كلام له : "مع اعترافي بعلمه , وفضله, وإفادته للطلبة, وبخاصة في الجامعة الإسلامية, جزاه الله خيرا". (الأنصاري:1422: 27 )
وقال عنه تلميذه محمد بن ناصر العجمي: " فجع العالم الإسلامي بعامة,  والحرمان الشريفان بخاصة, بوفاة شيخنا العلامة, المتقن, المحدث, حماد بن محمد الأنصاري....... ورُزِقَ شيخُنا الاطلاع الواسع على علم الحديث, ومعرفة صحيحه من سقيمه , وكان -رحمه الله- وجها للسنة النبوية".(الأنصاري: 1422: 27)
وقال الشيخ عواد الخلف: "لقد كان-رحمه الله- موسوعة للعلوم الشرعية, في شتى الفروع, كالبحر المتلاطم الذي لا ساحل له, فإذا ذكر الحديث, فهو نجم يهتدى به , وإذا ذكر الأدب, فهو إمام يقتدى به". (الأنصاري: 1422: 30)
مكانته العلمية :
 ويكفي لبيان مكانته العلمية, أن كبار العلماء , مثل: الشيخ ابن باز( رحمه الله) والشيخ اللحيدان , والشيخ محمد أمان, والشيخ عطية, والقضاة في المحاكم الشرعية, كانوا يتصلونه هاتفيا, للاستفسار عن بعض الإشكالات في الحديث والفقه.(الأنصاري:1422: 17).
مؤلفاته :
الشيخ رحمه الله كان كثير التأليف, ويظهر هذا من كلامه حيث قال" كتبت  عن  كل العلوم , حتى الهندسة , والتنجيم" وأوصل  بعض تلاميذه عدد مؤلفاته إلى تسعين فأكثر , ولكن معظمها إما مفقود, وإما غير مطبوع. ومنها:
1-بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني    2-فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدثين بالألقاب
3-إتحاف ذوي الرسوخ بمن دلس من الشيوخ   
  4-تعليق الأنواط في التذييل على صاحب الاغتباط
5-سبيل الرشد في تخريج أحاديث ابن رشد      
 6-إعلام الزمرة في أحكام الهجرة
7-إعلام الحميم بأقسام  العلوم                 
8-الأجوبة الوفية على أسئلة الألفية
9-أبو الحسن الأشعري وعقيدته               
10-تحفة السائل عن صوم المرضع والحامل
11-الإعلان بأن لَعمري ليست من الأيمان   
12-يانع الثمر في مصطلح أهل الأثر
13- ونظم "المختلف" للأزدي, ومطلعه, اقرأ أسيداً بضم الهمز منحصرا
14-مبادئ في أصول التفسير       
15-كشف اللثام عما ورد في دخول مكة بلا إحرام
16-كشف الستر عما جاء في شد الرحل إلى القبر
17-كشف الستور في نهي النساء عن زيارة القبور  
 18- تحقيق السيرة النبوية
19-رفع الأسى عن المضطر إلى رمي الجمار بالمسا
20-تاريخ ملي-أي مالي-في القديم والحديث,(جزآن) وغيره كثير.

الفصل الثالث :
العوامل المؤثرة في بناء شخصية الانصاري وأهم ملامح التربية الاسلامية عنده.
العوامل المؤثرة في بناء شخصيته :
هناك عوامل عديدة, ساعدت في بناء شخصيته, ولعبت دوراً بارزاً في إخراجه بصورة عالم, ورع, تقي,  بعيد عن التكلفات , التي جاءت نتيجة الحضارة الحديثة ,حيث بقي -رحمه الله- على البساطة, التي عاشها رحمه الله في البادية من صحراء أفريقيا, ومن العوامل المؤثرة في بناء شخصيته:
العامل الأسري :     
الشيخ رحمه الله عاش في أسرة علمية, يحفها الالتزام بهدي الإسلام, والتمسك بالعلم الشرعي , والتطلع إليه, حيث وُجِد في أسرته من هو قاضي المدينة, ومفتي البلاد, ومقرئ الأطفال, ووُجِد من لُقِّب بالبحر, لتبحره في العلم , ووُجِد بعض رواة الحديث أيضا من أسرته. هذه الأشياء كلها أدت إلى اعتنائه بالعلم الشرعي منذ نعومة أظفاره.(الأنصاري:1422: 8)
العامل الاجتماعي :
 عاش رحمه الله في مجتمع بعيد عن ملامح الثقافة الحديثة, وتطورات الحضارة الجديدة, حيث عاش في  بادية من صحراء أفريقيا, لا يوجد فيها كهرباء, ولا سيارة, ولا طائرة. وهي التي قد ساهمت كثيرا في تنمية هذا العلم, وهذه الشخصية, بل لعبت دوراً رئيسيا , في بناء هذا الكيان العلمي البارز, حيث ساهمت هذه في صفاء ونقاء فكره مما أكسبه صراحة فكرية لا تكاد تقع في مثلها إلا في النادر , فكان جريئاً في قول الحق , والدفاع عن السنة, ومنهج السلف, والذب عن البدع, والخرافات.(الأنصاري:1422: 230)
العامل السياسي:
 في الوقت الذي فتح عينيه- رحمه الله- كان الاستعمار الفرنسي مسيطراً على بلا د مالي , والمسلمون كانوا مظلومين مقهورين , لا قوة  لهم, ولا سلطة, بل كانوا يعيشون في عزلة بعيدة عن الاستعمار الفرنسي, حفاظاً على دينهم, وعربيتهم , ولكن اعتداءات الاستعمار اضطرته للهجرة إلى بلاد الحرمين, مما غير مجرى حياته حيث استفاد فيها من كثرة المصادر والعلماء الأكفاء.(الأنصاري: 1422: 141)
نصائح بعض العلماء:
 في أثناء هجرته إلى بلاد الحرمين , التقى الشيخ -رحمه الله- بإمام المسجد النبوي الشريف الشيخ عبد الله المدني, فأخذ منه النصائح , ومن أهمها: " يا بني ,إذا وصلت إلى بلاد الحرمين, فعليك  كتب شيخ الإسلام ابن تيمية, وابن القيم, وعليك بنشر عقيدة السلف..." قال- رحمه الله-: " لقد تأثرت بنصيحته هذه جداً, وأخذت بها, وبلغت من قلبي مبلغاً عظيماً, وعزمت على العمل بها" وغير ذلك من نصائح بعض العلماء.(الأنصاري:1422: 10)
نصيحته لطلبة العلم والباحثين:
ينصح شيخنا رحمه الله طلبة العلم بصفة عامة وطلبة علم الحديث بصفة خاصة ان يخلصوا لله وألا يتتبعوا السقطات التي تحصل من بعض اهل العلم .وينصحهم كذلك بعدم خوض مجال الاعتراضات وان يتصلوا بأهل الشأن لأن العلم ليس من بطون الكتب وإنما من أصحاب الشأن .وان يتفقهوا بالطريقة التي تفقه بها أئمتنا ..ثم ينصحهم بتقوى الله في السر والعلن.

أهم ملامح التربية الاسلامية في شخصية المسلم عند الشيخ حماد الانصاري:
يرى الشيخ حماد الأنصاري أن أهم ملامح التربية في شخصية المسلم ترتكز على ما يلي :
1_الاهتمام بالمحصن الصالح أعني الزوجة الصالحة والزوج الصالح فهي ركيزة اساسية في بناء فطرة الشباب وعقله وقلبه وبذر الخير في نفسه وجعله يثمر ثمرة يانعة.
2_العناية به منذ نعومة اظفاره وغرس الفضائل في نفسه وتجنيبه اسباب الإنحراف ومعالجتها.
3_العناية بتربيته ايمانيا وخلقيا وجسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا.
4_إيجاد القدوة الصالحة في التربية ليقتبس منها ويتأثر بها ويمارس آمامها أساليب الدعوة والعمل الإسلامي ليستفيد من توجيهاتها .
5_تسلحه بالعلم النافع ووعيه بالواقع وإدراكه لأساليب العلم الناجح.
6_تحليه بالصبر والحلم وسعة الصدر وقوة التحمل والقدرة على استيعاب الناس.
7_عدم استعجال النتائج ووكله الأمر بعد الأخذ بالأسباب الى الله عز وجل.

وفاته:
بدأ مرض شيخنا ليلة قيام الثالث والعشرين من رمضان في المسجد النبوي ثم اشتد عليه المرض الى ان وافاه الأجل المحتوم صباح الأربعاء 21/6/1418هـ في طيبة الطيبة عن عمر اربع وسبعين سنة فمن الله عليه بالموت بالمدينة المنورة وغفر الله له.
وقد صلى عليه بالمسجد النبوي يوم وفاته بعد صلاة العصر وكانت جنازته مشهودة تذكرك بمقولة الامام احمد بن حنبل رحمه الله: "قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز" إذ قد تبع الجنازة جم غفير من علماء المدينه وقضاتها وكبار مسؤوليها وطلاب العلم ومحبي السنة وأحبابه وأصحابه غفر الله له وادخله فسيح جناته.
الفصل الرابع   :
             الجوانب التربوية المختلفة في مؤلفات الشيخ حماد الأنصاري.
المبحث الاول: الجانب العلمي عند الأنصاري:
تمهيد:
العلم له أهمية كبيرة, و به يعرف الإنسان , الحلال والحرام , ويميز به بين الفضائل والرذائل , والواجبات, والمستحبات, و به فضَّل الله سبحانه الإنسان على كثير من الخلق , وأسجد الملائكة لآدم عليه السلام.
 ومما يدل على فضل العلم أنه يرفع قدر صاحبه عند الله, قال تعالى :(يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير)المجادلة: ١١ , وأنه أول واجب على العبد, حيث قدمه الله سبحانه على الشهادة, قال تعالى :(فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) محمد: ١٩  " وقال البخاري – رحمه الله-: " باب-العلم قبل القول والعمل-" (بخاري :1421: العلم:1/210) ويكفي لبيان أهميته أن أول ما أوحي إليه - صلى الله عليه وسلم –الآيات التي تتحدث عن القراءة والكتابة.
ثم إن العلم بالتعلم , ولا تتم العملية التعليمية إلا إذا قامت على ثلاث دعائم أساسية , المعلم , والمتعلم, والطرق التربوية, والمعلم لا يكون ناجحا,  إلا إذا كان موحّداً, مخلصاً, عاملاً بمقتضى العلم, وصابراً على الأذى.
والمتعلم أيضا كذلك , لا يمكن أن يحصل على العلم إلا إذا تحلى بصفات طالب العلم التي تتمثل في الإخلاص, والتأدب , واحترام الأستاذ, والجد والمثابرة, وغير ذلك من الصفات .
وفي جانب هاتين الدعامتين لا بد من توافر دعامة ثالثة , وهي الطرق التربوية, فإنها إذا ما اتبعت الطريقة المناسبة للعملية التعليمية , فلا يكون ثمارها طيبة  , ولا يمكن أن تحقق العملية التعليمية أهدافها. 
المطلب الأول : أهمية العلم وأقسامه عند الأنصاري:
أهمية العلم عند الأنصاري :
العلم له أهمية كبيرة عند الأنصاري ,حيث يرى أن العلم يشرّف صاحبه ويجعله ممن يخافون الله سبحانه, قال –رحمه الله :"أوصيكم بتقوى الله في السر والعلانية , والحرص على العلم , فإن العلم شرف لصاحبه , قال المولى عز وجل:( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) فاطر: ٢٨
 ويرى - رحمه الله- وجوب تحصيل العلم الشرعي, للشاب المسلم, الذي يمكنه من فهم دينه, ويساعده على العمل به , وبالإضافة إلى ذلك, يجعله على وعي تام بالأخطار التي تحدق به , وتعمل على انحرافه , حتى لا يقع فريسة لهواه, فيغفل عن دينه, قال  القريوتي :"ينصح شيخنا كل شاب مسلم أن يكون على صلة قوية بربه , وثقة صادقة بإيمانه, وعلم يمكنه من فهم دينه, والعمل به , وصحبة صالحة تعينه, وتثبته, ووعي بالأخطار التي تحدق به , وتعمل على انحرافه, وإدراك لخطط أعدائه, حتى لا يستغفل عن دينه, ويلبس عليه أمره..."(الأنصاري:1422: 171)
 وقال أيضا:"... وأن يكون على وعي بالأفكار التي تعج البلاد غير الإسلامية , حتى لا يتأثر بها, ويخدعه بريقها, وأن يكون كذلك على وعي جيد, وفهم واضح بأصول إيمانه, وعقيدته, وأهم مبادئ الإسلام, وثوابته , حتى لا يدخله الشك, ويهزه أدنى موقع, وأن يتسلح بسلاح الإيمان, والتقوى , والبعد عن مواطن الشبهات , والشهوات المغرية , وأن يكون جاداً في دراسته , أو عمله , ومنهمكاً في أداء مهمته التي سافر من أجلها".(الأنصاري: 1422: 173)
ومما يبين أهمية العلم عند الأنصاري, أنه يؤكد بأن أخطر السلاح الذي يمكن به الدفاع, والذود عن الإسلام, ضد الزحف الهدام الذي يهدد الثقافة الإسلامية, ويحاول تمزيق وحدة كيانها, هو العلم المنبثق من الكتاب, والسنة, قال القريوتي: " يرى شيخنا أن أمضى الأسلحة التي تمكّن علماء الإسلام من الوقوف أمام الزحف الهدام: هو تركيزهم على كتاب الله, وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وقال -رحمه الله -: "بأن لا يسمح لأي شاب, ولا شابة, أن يخرج  في تعاليمه, ودراساته عن هذين الأصلين, إذ هما السبيل الوحيد لتكوين المجتمع الإسلامي المتكامل".(الأنصاري:1422: 171-172)
العلم متاع لا يبتاع بثمن بخس , بل يستحق أن يبذل في طريق نيله كل غال ونفيس, وأن يُتَحمَّلَ فيه ما لا يُتَحَمَّلُ في غيره, من الصعوبات ,والمشاق, ويحق له أن لا يؤثَرَ عليه شيء من زخارف الدنيا وزينتها, ونجد في حياة الأنصاري أنه لم يبال بالأموال والأنفس في سبيل تحصيل العلم , فهاجر من بلاد مالي إلى بلاد الحرمين, وعانى معاناة شديدة أثناء السفر, وأنفق أموالاً طائلة جداً في اقتناء الكتب النافعة من أرجاء المعمورة, فقال -رحمه الله-: "خرجت من البلاد "مالي" متسللاً, وركبت جملاً, وسقت جملاً آخر وضعت عليه ما أحتاج إليه في الرحلة , وأخذت على ظهر الجمل أربعة أشهر, وكنت لا أرتاح إلا قليلاً, حتى صرت أتبول دماً في أيام الصيف".(الأنصاري:1422: 2/778)
 وتتبين أهمية العلم عند الأنصاري من موقفه مع المشرف البريطاني على العفش في بور سودان ,حيث  قال -رحمه الله-:"قال لي البريطاني المشرف على العفش افتح الصندوقين حتى ننظر فيها , ففتحته, فقال: افتح الثاني, ففتحته , فقال: أنت تاجر , تحمل الكتب من عندنا إلى الحجاز لكي تبيعها , قلت: لا, أبداً, حاشا وكلا, قلت له: هذه الكتب للعلم فقط, للتعلم, أما التجارة أنت الآن-قلت له-لو أردت أن تشتريها مني الآن بنصف بور سودان, ما أعطيك إياها, قال لي : هكذا؟ قلت له : نعم, لا يمكن أبداً أن تشتريها مني ولو بنصف بور سودان, فقال : يا عجباً هذه الكتب ما هي للبيع؟...".(الأنصاري:1422 :2/799)
ومما يحير القارئ أن الشيخ – رحمه الله-اشترى كتاباً بسبعة آلاف ريال, وكتاباً بأربعة آلاف ريال, وكتاباً بألف ريال, في وقت كان راتبه ألف ريال فقط. وهذا دليل واضح على حرصه الشديد المسيطر على نفسه وهواه  في طلب العلم. قال- رحمه الله-:"...فإذا كان كتاب "تاريخ ابن عساكر" قد كلفني وحده نحو سبعة آلاف ريال, ... وكتاب "الكامل" لابن عدي جلبته من تركيا عام 1385هـ بألف ريال , في وقت كان راتبي ألف ريال فقط".(الأنصاري:1422: 279) وسمعت شيخي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الحميد يقول: " اشترى الشيخ حماد الأنصاري –رحمه الله – كتاب "معجم المفهرس لألفاظ الحديث" بأربعة آلاف ريال". وهذا كله يدل على أهمية العلم عند الأنصاري-رحمه الله-.
أقسام العلم عند الأنصاري :
العلم عنده على قسمين : شرعي, وغير شرعي,  وغير الشرعي يكون شرعياً إذا أخلصت النية فيه,  ويرى وجوب الجمع , وتركيز العناية بهما , لأن المسلمين في أمس الحاجة إليهما ولا يمكن الاستغناء عنهما في أي حال من الأحوال, لأن العلم الشرعي يعلِّمُ كيفية تقوية الصلة بالله , والعلم المادي يساعد علي القيام بالعلم الشرعي, فإذا لم يهتم المسلمون بالعلوم المادية فمن يبني المدارس والمساجد والجسور, فقال -رحمه الله-: "العلم نوعان: شرعي, وغير شرعي, وغير الشرعي يصير شرعياً إذا أخلصت النية فيه, ولكن العلم الشرعي على اسمه , ولا بد من الإخلاص فيه".(الأنصاري:1422: 2/569  ) وقال أيضا:" التعليم ينقسم إلى قسمين: تعليم ديني, وتعليم مادي, وهذان القسمان ينبغي العناية بهما,...وهكذا فإن أي بلد لا يمكن أن يستغني من حتمية الجمع بين هذين العلمين, لأن العلم الشرعي يعلم الفرد كيفية بقاء صلته مستمرة مع الله عز وجل , والعلم المادي يساعد الفرد على القيام بالعلم الشرعي, فإذا لم يتعلم المسلمون الرياضيات والهندسة فمن أين لهم أن يبنوا المدارس والمساجد والجسور ويعرفوا كيفية حساب الصدقات".(الأنصاري:1422: 274 )
 ويرى رحمه الله-أن الجمع بين هذين العلمين يعطي المسلمين القوة والمناعة, ويجعل المسلمين على غنى تام عن الأعداء. قال رحمه الله-: "إذن قوة المسلمين تكمن في أمرين:
الأمر الأول: هو دراسة كتاب الله دراسة وافية.
والأمر الثاني: هو إيجاد ما يحمي هذا الكتاب من التلاعب به من قبل الأعداء.
لذا يجب على المسلمين دراسة العلوم الشرعية والمادية, أما التركيز على واحد منهما دون الآخر , فهذا أمر خاطئ, فإذا لم تكن هناك صناعات وزراعة يصعب علينا الاستغناء عن أعدائنا".(الأنصاري:1422: 274-2175).




المطلب الثاني: آداب المتعلم عند الأنصاري:
تمهيد:
يعتبر التلميذ على الإطلاق أهم الركائز الثلاث في العملية التعليمية (التلميذ, المعلم, المنهج) لأن العملية التعليمية لا تتم , بـــــــل لا تقوم  أساساً على ساقها إلا إذا وجد المتعلم . إذ أن الغاية من العملية التعليمية تربية المتعلم وتثقيفه, وتزويده بما يجعله فرداً صالحاً مفيداً للكائن الحي, عارفا بحقوق الله وحقوق المخلوقين.
وانطلاقاً من هذا قد أولى الأنصاري عناية كبيرةً بجانب التلميذ, فجاءت منه توجيهات عديدة تخص بالمتعلم, ممثَّلةً في الآداب التعليمية, والأخلاقية التي ينبغي أن يتحلى بها المتعلم.
وفيما يلي أتناول الآداب التي يجب أن يتحلى بها المتعلم مما ذكره الأنصاري:
1-الإخلاص لله في طلب العلم: ينصح الأنصاري طلاب العلم أن يخلصوا لله في طلب العلم , ويحذِّر من تتبع زلات العلماء التي قد تصدر منهم خطأً أو سهواً, ولعل ا لسبب في ذلك أنه قد يدخله في مجاراة العلماء ومماراة السفهاء, والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك, فقال صلى الله عليه وسلم :" من تعلم العلم ليباهي به العلماء , ويجاري به السفهاء, ويصرف به وجوه الناس إليه, أدخله الله جهنم"(ابن ماجة: الانتفاع بالعلم والعمل به, ح260) ويحثهم على أن يطلبوا العلم لابتغاء وجه الله لا ليصيبوا به عرضاً من الدنيا, فقال: "إن الناس اليوم يطلبون العلم للتكسب , والذين يطلبون العلم بحق قليل"(الأنصاري:1422: 2/573) وقال القريوتي: "ينصح شيخنا –رحمه الله- طلبة العلم بصفة عامة , وطلبة علم الحديث بصفة خاصة: أن يخلصوا لله, وألا يتتبّعوا السقطات التي تحصل من بعض أهل العلم".(الأنصاري:1422: 171 )  وقال ابن جماعة: "أن ينزه علمه عن جعله سلماً يتوصل به إلى الأغراض الدنيوية من جاه أو مال أو سمعة أو شهرة أو خدمة أو تقدم على أقرانه".(ابن جماعة:1423: 28)
2-احترام المعلم وإكرامه: قال الأنصاري: "وينبغي للطالب أن يخاطب شيخه بالإجلال والإطراق وغض البصر, كما يخاطب الملوك, ويبجل العلماء والصالحين والأكابر, ولو لم يعملوا بعلمهم, ويقوم بواجب حقهم من الإكرام والتبجيل, فإن العلماء ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرثوا منه دينارا ولا درهما وإنما ورثوا منه صلى الله عليه وسلم العلم, هم حملة شرعه وخدامه". يؤكد الأنصاري وجوب احترام المعلم كاحترام الملوك,  وإن كان أقل منه علماً وعملا, والتواضع له, واحترامه, وغض البصر عنه. يقول ابن جماعة: "أن يجلس بين يدي الشيخ جلسة الأدب كما يجلس الصبي بين يدي المقرئ, أو متربعاً بتواضع وخضوع وسكون وخشوع, ويصغي إلى الشيخ ناظراً إليه, ويقبل بكليته عليه متعقلاً لقوله بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام مرة ثانية, ولا يلتفت من غير ضرورة...".(ابن جماعة:1423: 97)
3-التأدب في السؤال وعد الإكثار منه: على المتعلم أن يتأدب في السؤال , ويقصد منه مزيد البيان والتوضيح لما لم يفهمه من الدرس, وحاشا , وكلا أن ينوي تعجيز المعلم وإحراجه, وكما ينبغي للطالب أن لا يكثر في الأسئلة, وإلى ذلك أشار الأنصاري بقوله : "إن السؤال من طلب العلم وغيره يجب أن يكون على سبيل التعلم لا التعجيز".(الأنصاري:1422 : 2/583 ) وقال مبيناً طريقة أهل العلم :"إن طريقة أهل العلم كثرة القراءة في الكتب , فإذا مر إشكال في شيء منها أثناء القراءة يسألون فيما أشكل عليهم , ولم تكن طريقتهم الإكثار من الأسئلة مما يسبب انشغال أهل العلم بالإجابة ونحوها".(الأنصاري:1422: 2/573) ويؤكده ابن جماعة بقوله:" ولا ينبغي للطالب أن يكرر سؤال ما يعلمه ولا استفهام ما يفهمه فإنه يضيع الزمان , وربما أضجر الشيخ".(ابن جماعة:1423: 104)
4- التثبت والتأكد فيمن يأخذ منه العلم: يحذِّر الأنصاري طالب العلم من أن يتعلم من المبتدعة , لأن المتعلم على دين شيخه, فعلى من رحل في طلب العلم إذا وصل إلى المدينة التي قصدها أن يبحث فيها عن عالم سلفي  لكيلا يقع في شباك المبتدعة, فقال -رحمه الله-:"إذا دخل طالب العلم في بلد, يجب عليه قبل أن يدرس على أحد من علماءه, أن يفتش عن علماء السنة ,حتى لا يقع في شباك أهل البدع, كالمعتزلة , والأشعرية, وغيرها".(الأنصاري:1422: 2/571) وقال أيضاً: "يجب على من رحل في طلب العلم , إذا وصل إلى المدينة, أو البلد التي قصدها, أن يبحث فيها عن عالم سلفي".(الأنصاري:1422: 2/567) ونقل ابن جماعة قولاً لبعض السلف" هذا العلم دين, فانظروا عمن تأخذون دينكم".(ابن جماعة:1423: 86)
5- عدم الاستعجال في طلب العلم: يحذِّر الأنصاري من جمع العلوم, والفنون في وقت واحد وقت الطلب, ويسميه التربويون تزاحم الفنون , وهذا ضررُه أكثر من نفعه , فإن العلم من أراد جملة فات جملة, ويشير إليه كلام ابن جماعة: "بل يعطي الكتاب الذي يقرؤه أو الفن الذي يأخذه كليته, حتى يتقنه, وكذلك يحذِّرُ من التنقل , من كتاب إلى كتاب, من غير موجب , فإنه علامة الضجر, وعدم الإفلاح". وقال أيضاً:" وكذلك يحذر في ابتداء طلبه من المطالعات في تفا ريق المصنفات فإنه يضيِّع زمانه ويفرِّق ذهنه".(ابن جماعة:1423: 114-115) وقال الأنصاري:" لا ينبغي لطالب العلم أن يكون مستعجلاً".(الأنصاري:1422: 2/513) وقال أيضاً:" العلم من أراد جملة فات جملة".(الأنصاري:1422 : 2/565) وقال أيضا: " المشايخ كانوا يقولون :" من أخذ ثورين فر هذا أو هذا".(الأنصاري:1422: 2/563)
6-الاعتذار للعلماء قبل اللوم: يُرشِد الأنصاري التلميذ أن يكون محباً لعلمائه ومعلِّمِيه , ومعترفاً بفضل علمهم عليه, وأن يكون ذابّاً عن أعراضهم, مدافعاً عنهم ما يثار حولهم , من شبهات, بقصد نزع ثقتهم من صدور الناس, وعدم اللوم لهم , فقال :"ينبغي لطالب العلم أن يحرص على الاعتذار للعلماء قبل اللوم".(الأنصاري:1422 : 2/570) وقال أيضاً: "وفي الحديث: " من صنع إليكم معروفاً فكافئوه"(أبوداؤد: الزكاة , ح 1672) وكل ما يفعله في غيبته, وبعد موته, فينصره, ويغضب له , ويجاوب عنه من يذكره بسوء".(الأنصاري:1425 : 225) وقال السعدي: "من أعظم الحرمات وأشنع المفاسد إشاعة عثراتهم , والقدح فيهم, وفي غلطاتهم, وأقبح من هذا وأقبح إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك". وقال أيضاً: "الذب عن أعراض أهل العلم, والدين, ولا ريب أن هذا من أفضل القربات".(السعدي:1412: 1/436)
7-الاستشارة من العلماء: يرى الأنصاري أهمية الاستشارة من العلماء, إذ أنها توفر للطالب كثيراً من الوقت, والجهد , وقد ذكر الله سبحانه التشاور من صفات المؤمنين , فقال تعالى:" وامرهم شورى بينهم" الشورى: ٣٨  فقال –رحمه الله- أنا لاحظت أن أكثر طلبة العلم اليوم لا يستشيرون, يعني لا يستشيرون من العلماء فيما ينفعهم".(الأنصاري:1422: 2/566)
8- التأدب في حمل الكتاب: من المشاهد اليوم أن كثيراً من الطلبة  لا يتأدبون في حمل الكتب , وهذا مما ينافي صفات طالب العلم , فقال :" بعض طلبة العلم اليوم لا يعرفون كيف يمسكون الكتاب فتراهم يمسكونه كأنهم على غضب منه".(الأنصاري:1422: 2/569)
9-اصطحاب القلم معه دائما: ينصح الأنصاري طلبة العلم أن يحملوا القلم معهم دائماً , لأن الذي لا يكون معه القلم لا يستفيد كثيرا, فيقال : العلم صيد والكتابة قيد , فالذي لا يحمل القلم لا يستطيع أن يسجل المعلومات التي يسمعها في بعض الأحايين, ثم يخون حفظه, فقال :" طالب العلم الذي لا يحمل معه قلماً دائماً لا يستفيد".(الأنصاري:1422: 2/571) 
10-المبادرة إلى تحصيل العلم في أوقات الشبابالسلف-رحمهم الله- كانوا يفضلون أيام الحداثة وعنفوان الشباب لتحصيل العلم, لأن الشباب من أفضل الأوقات وأروعها في طلب العلم, ففيه يتحمل الإنسان المشاق أكثر , لأن العلم يقتضي جهوداً مضنيّةً, ولذلك يقال: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك, فقال – رحمه الله-:"تعلموا أيها الشباب قبل أ ن تصبحوا كباراً, فإنكم عندئذٍ لا تستطيعوا أن تتعلموا".(الأنصاري:1422: 56) وعقد ابن جماعة ترجمة في كتابه( المبادرة إلى تحصيل العلم في أوقات الشباب) (ابن جماعة:1423: 73).







المطلب الثالث: مقومات شخصية المعلم عند الأنصاري:
تمهيد:
المعلم إحدى الدعائم الأساسية التي تقوم عليها العملية التعليمية, والمعلم يقوم بدور التربية والتزكية للثروة البشرية, وكلما يكون المعلم ناجحاً, كلما يكون نتاج العملية التعليمية جيداً ومثمراً. فعلى المعلم أن يشعر بعِظَم مسئوليته تجاه الأمة, وأهمية مكانته ودوره في تربية الأولاد وتثقيفهم, إما بالخير وإما بالشر. وأكد إلى ضرورة الاستشعار بعظم وظيفة المعلم الدويش بقوله" وظيفة التعليم أسمى وأعلى من أن تكون وظيفة رسمية, أو مصدراً لكسب الرزق, إنها إعداد للأجيال وبناء للأمة".(الدويش: 1416: 13)
ولقد أدرك الأنصاري قيمة المعلم وأنه عامل أساسي من عوامل نجاح العملية التعليمية, وأن صلاح التعليم مرهون بصلاح المعلمين, فلا بد من اختيار المعلمين الأكفاء الصالحين في دينهم وعلمهم.
وفيما يلي بيان لأهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم كما يراها الأنصاري.
أولاً: المقومات السلوكية :
1-الإخلاص لله تعالى: الإخلاص أمره عظيم, وفضله كبير , وهو شرط أساسي في قبول العبادة, وأي عمل لا تخالطه النية الصالحة لا يزن عند الله جناح بعوضة ولو كان مثل الجبل ,قال النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى....(بخاري:1421 : بدء الوحي , ح1)
2- أن يكون موحداً  وعاملاً بمقتضى توحيده:
 يرى الأنصاري وجوب كون المعلم على مذهب السلف الصالح, في توحيد الله سبحانه, ولا يكون مبتدعاً ,لأن التلميذ على مذهب شيخه, فكان ينصح طالب العلم الذي يرحل إلى بلد أن يفتش عن عالم سلفي قبل أن يتلمذ على أحد من العلماء, فقال رحمه الله:" يجب على من رحل في طلب العلم إذا وصل إلى المدينة, أو البلد التي قصدها, أن يبحث فيها عن عالم سلفي".(الأنصاري:1422: 2/567) وقال أيضاً:"والمعلم والداعية يجب أن يكون موحداً, وأن يعمل بمقتضى توحيده".(الأنصاري:1422: 2/525)
3-الصبر على الأذى:
 من صفات المعلم الجيد :الصبر, والتحمل على الأذى الذي يواجهه من قبل المتعلمين, والمدعوين , وله فيه أسوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . وذكر ابن جماعة تحت باب "أدب العلم في نفسه ومراعاة طالبه ودرسه" أن يحافظ على القيم...والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والصبر على الأذى بسبب ذلك صادعاً بالحق عند السلاطين باذلاً نفسه لله , لا يخاف لومة لائم, ذاكراً قوله تعالى" واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور" لقمان: ١٧  وما كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء عليه من الصبر على الأذى وما كانوا يتحملونه في الله تعالى حتى كانت لهم العقبى".(ابن جماعة:1423: 29) وذكر الأنصاري  ضمن صفات المعلم والداعية : وأن يصبر على أذى من يدعوهم".(الأنصاري:1422 : 2/525)
4-العمل بمقتضى العلم :
 قال-رحمه الله-:"واعلم أنه لا يتم لعالم علمه حتى يكون عالماً بمقتضاه, معرضاً عن حب دنياه, هاربًا عما يصده عن الله تعالى إلا مالا بد منه أن يتولاه".( الأنصاري:1425: 226)
 يرى الأنصاري أن هناك تلازم بين العلم والعمل بمقتضى العلم , فأي عالم لا يكون عالما حقيقياً, مستحقاً للفضل الذي ورد في الكتاب والسنة, إلا أن يكون عاملا لما علم. وورد عتاب , ووعيد شديد فيمن يأمر الناس بالبر, وينسى نفسه," قال تعالى: (اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون)البقرة: ٤٤ .
ثانياً: المقومات المهنية:
  بعد ذكر بعض المقومات السلوكية للمعلم عند الأنصاري يذكر الباحث  بعض المقومات المهنية التي تعرض لها الأنصاري , وهي كالتالي:
1- عدم التدريس من الحفظ: يحبِّذ الأنصاري التدريس من الكتاب ,لا من الحفظ, فقال :"كانت عادة أهل العلم الذين يحتاطون أنهم لا يدرسون من حفظهم , إنما يدرسون من كتبهم, وإن كانوا يحفظون".(الأنصاري:1422: 2/567) ,وهذا هو الأولى ,لأن الحفظ خائن, والتدريس من الحفظ قد يؤدي إلى الرياء, لأن الشيطان يتربص بالدوائر على أهل العلم , فالأولى والأحوط الاعتماد على الكتاب عند التدريس.
2-مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ: يجب على المعلم مراعاة تفاوت الطلاب في قدراتهم , ومهاراتهم, ومعيشتهم, ومستوى ذكائهم العمري والزمني, ويقارن بين ما يلقي عليهم من معلومات , وبين مستوى قدراتهم العقلية, فيفرق بين الصغير والكبير , وبين المرحلة العليا, والدنيا في اختيار طرق التدريس, والوسائل التعليمية , والمعلومات . قال الأنصاري: "يجب أن يكون الدرس على مستوى الدارس".(الأنصاري:1422: 2/574) وقال أيضاً: "حدثوا الناس بما يعرفون ويجب على العلماء أن لا يدخلوهم في المتاهات".(الأنصاري:1422: 2/576) وإلى ذلك أشار ابن جماعة:" وكذلك لا يلقي إليه ما لم يتأهل له, لأن ذلك يبدد ذهنه, ويفرق فهمه, فإن سأله الطالب شيئاً من ذلك لم يجبه, ويعرفه أن ذلك يضره, ولا ينفعه...".(ابن جماعة:1423: 57-58) وفي ذلك شواهد كثيرة من القرآن والسنة وأقوال السلف.
3-الالتزام بالنصوص وعدم ذكر الخلافات العلمية: يري الأنصاري عدم ذكر الأقوال غير المدعمة بالدليل من مصادر الشريعة الإسلامية في الدروس, بل ينبغي  الالتزام بالنصوص عند ذكر الأقوال, فقال:" إن من عادتي أن الخلافات العلمية لا أذكرها في دروس ونحن علينا الالتزام بالنصوص".(الأنصاري:1422: 2/567) ويؤكده قوله: "إن أهل العلم يقولون: كل كلمة تحتمل معنيين معنى حق , ومعنى باطل , فلا يجوز التكلم بها عند العامة, وإنما تذكر عند أهل العلم".(الأنصاري:1422: 2/532).
المطلب الرابع: المبادئ العامة في العملية التعليمية عند الأنصاري:
بعد ذكر آداب المتعلم,  ومقومات المعلم السلوكية, والمهنية , يرى الباحث ذكر بعض القواعد العامة التي تتعلق بالجانب العلمي, وبالعملية التعليمية  التي يراها الأنصاري الالتزام بها, لتحسين العملية التعليمية, وهي كالتالي:
1- الاهتمام باللغة العربية: لأن الذي لا يعرف اللغة العربية قد يقع في المهلكة ولا يشعر, فقال الأنصاري: "إن الذي لا يعرف اللغة العربية يكفر, ولا يشعر".(الأنصاري:1422: 2/519)
2-مراعاة الأهم فالأهم في التعليم: يرى الأنصاري وجوب بدء التعليم بالقرآن ثم بالتوحيد, أو بالتوحيد ثم بالقرآن, فقال: "الطريقة في الدراسة أولاً حفظ القرآن الكريم, ثم تعلم التوحيد, وذلك من خلال كتاب فتح المجيد, وهو كتاب لم يؤلف مثله".(الأنصاري:1422: 2/582) ومرة قال: "الإنسان يجب أن يهتم بالتوحيد أولاً ثم بالقرآن ثم بالفقه".(الأنصاري:1422: 2/584)
3-عدم التبكير في التأليف: يحذر الأنصاري من التصدي للتأليف قبل أن ينضج العلم , فقال :" إن طالب العلم لا يؤلف حتى يصل إلى الوقت الذي يصلح للتأليف,  والكتابة فيه".(الأنصاري:1422: 2/566) وحذر منه ابن جماعة أيضاً فقال تحت باب" من لم يتأهل للتصنيف" :"أما من لم يتأهل لذلك فالإنكار عليه نتيجة لما يتضمنه من الجهل وتقرير من يقف على ذلك التصنيف به ولكونه يضيع زمانه فيما لا يتقنه, ويدع الإتقان الذي هو أحرى به منه".(ابن جماعة:1423: 39)
4-وضع المناهج حسب مستوى الطلاب: يرى الأنصاري أن سر التفوق ومواكبة التقدم العلمي, والحضاري  على شباب دول العالم الأخرى كامن في أمرين: أمر خاص بوضع منهج علمي , وأمر متعلق بتوجيه الشباب ومساعدتهم على التخطيط.
 سئل الشيخ:  كيف نستطيع أن ننهض ونرتقي بمستوى الشباب المسلم؟ فأجاب قائلاً: "الشباب المسلم يحتاج إلى أمرين:
الأمر الأول : خاص بوضع منهج علمي على قدر مستواه.
الأمر الثاني: هو توجيه هذا الشباب ومساعدته على التخطيط. وإذا تحقق ذلك, فإن شبابنا يستطيع التفوق على شباب  دول العالم الأخرى لتوفر الوسائل التعليمية لديه".(الأنصاري:1422: 272).


المبحث الثاني :الجانب العقدي:
أولاً: مفهوم العقيدة :
العقيدة هي: ما يعقد عليه المرء قلبه, تقول : أعتقد كذا-أي عقدت عليه القلب والضمير-وأصله مأخوذ من عقد الحبل إذا ربطه, ثم استعمل في عقيدة القلب, وتصميمه الجازم.( الفوزان: 1411:  9)
قال الحازمي: "وبذلك يمكن القول بأن العقيدة هي: ما صلب واشتد عليه القلب وأصبح يقيناً لا يساوره الشك. والعقيدة الإسلامية أساسها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره".(الحازمي:1426: 105)
ثانياً: أهمية العقيدة:
إن العقيدة الإسلامية لها أهمية عظيمة في حياة الإنسان, لأن الإنسان ما خلق إلا لأجل العبادة, قال تعالى:(وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)الذاريات: ٥٦ ولا تقبل أية عبادة إلا إذا كان صاحبها مسلماً , وأي إنسان لا يكون مسلماً إلا إذا أقر الشهادة باللسان ويصدقها بالقلب ويأتي العمل بالجوارح. قال –رحمه الله-:"لا يمكن لأي أحد أن يدخل في دين الإسلام إلا بهذه الكلمة, التي تحتوي على شقين: الشق الأول :لاإله إلا الله,...والشق الثاني: محمد رسول الله...".(الأنصاري:1424: 41)
والعقيدة الإسلامية هي التي تستطيع توحيد صفوف الأمة, وتقدر على إنقاذها من الضعف والتدهور والتبعية, ويستطيع الإنسان صون نفسه عن الانحراف والوقوع في حبال الأعداءبالتزام العقيدة الإسلامية.
إن العقيدة الإسلامية تتمكن من إعادة مجد هذه الأمة وشرفها الماضي, وتستطيع أن تجعل المسلمين مرهوبة الجانب, قوية السلطان, مالكة لزمام الحضارة المادية والروحية. ولقد أدرك الأنصاري أهمية العقيدة الإسلامية إدراكاً جيداً فقال: "وهم(أعداء الإسلام) يدركون إدراكا جيداً, أكثر من إدراك المسلمين, أن سر قوة المسلمين تكمن في إسلامهم, وفي عقيدتهم ,فلو التزم المسلمون بالإسلام ,لأصبحوا قوة عظمى في العالم ,مرهونة الجانب, قوية السلطان, مالكة لزمام الحضارة المادية والروحية".(الأنصاري:1422: 283)
ومما يبين أهمية الإيمان والعقيدة أن الله سبحانه قدم التوحيد على العبادة , فذكر في سورة الفاتحة أنواع التوحيد الثلاثة ثم أتبعها بالعبادة,  وأشار إليه الأنصاري بقوله " الوسائل قبل الغايات , نحو الوضوء قبل الصلاة... ولهذا قدم سبحانه التوحيد في سورة الفاتحة على العبادة وما بعدها"(الأنصاري:1422: 539) وقال أيضاً: "سورة الفاتحة شملت التوحيد كله في أول القرآن , كما أن سورة الناس اشتملت على التوحيد كله في آخر القرآن , فهاتان إشارتان لطيفتان :
 الأولى : أول واجب هو التوحيد,
الثانية: آخر ما يجب أن تموت عليه هو التوحيد ,فيجب عليك أن تعني بالتوحيد في أول عمرك وآخر عمرك" (الأنصاري:1424: 55).
وفيما يلي نتناول أهم الجوانب العقدية التي عند الأنصاري:
ثالثاً :تعريف الإيمان عند الأنصاري:
يرى الأنصاري أن إيمان العبد لا يتم إلا إذا توفر فيه ثلاثة شروط, إقرار باللسان, وتصديق بالجنان, وعمل بالأركان, وأن يعتقد أن الإيمان يزيد وينقص, فقال في تعريف الإيمان:" الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بطاعة الرحمن وينقص بطاعة الشيطان" فمن أنقص نوناً من هذه فليس بمؤمن".(الأنصاري:1422 : 480-481) والأدلة على ذلك كثيرة من القرآن والسنة , وعليه منهج السلف الصالح –رحمهم الله-.
رابعاً : درجات الإيمان عند الأنصاري :
يرى الأنصاري أن الإيمان على ثلاث درجات, الإسلام والإيمان والإحسان, ولا يمكن أن يوجد رابع البتة, فقال :"لو تتبع العبد القرآن من أوله إلى آخره ما استطاع أن يأتي برابع فوق الإحسان والإسلام والإيمان".(الأنصاري:1422: 2/485 )    ,وهذا الذي ورد في حديث جبريل المشهور.
خامساً : محَصِّنات الإيمان عند الأنصاري :
الإنسان محاط بمخاطر  الشبهات, والشهوات التي تريد أن توقعه في المهالك, وتضيع إيمانه, وعقيدته . لذا يجب على كل مسلم أن يتسلح بسلاح يدفع عنه كل ما يؤذي عقيدته ودينه , ويحصل على دواء يعالج به كل الأمراض التي تعقب الشهوات. وذكر الأنصاري بعض الوسائل التي يستطيع  بها الشاب المسلم أن يحصن عقيدته. وهي كالتالي:(الأنصاري:1422 : 285-286)
1-أن يكون معتزاً بدينه, فخوراً بإسلامه, مفاخراً بهويته, حتى لا ينهزم أو ينبهر بمظاهر حضارة الغرب وتقدمه المادي.
2-أن يكون على وعي بالأفكار التي تعج بها البلاد غير الإسلامية, حتى لا يتأثر بها ويخدعه بريقها.
3-أن يكون كذلك على وعي جيد وفهم واضح بأصول إيمانه وعقيدته وأهم مبادئ الإسلام وثوابته , حتى لا يدخله الشك, ويهزه أدنى موقع.
4-وأن يتسلح بسلاح الإيمان والتقوى والبعد عن مواطن الشبهات والشهوات والمغريات.
5- وأن يكون جاداً في دراسته أو عمله منهمكا ًفي أداء مهمته التي سافر من أجلها.
6-أن يدرك أن حقيقة الحضارة في الغرب أو الشرق في جانبها الفكري , والأدبي قامت على غير هدى من الله, وأن سعادة البشرية وحياتها الحقيقية لا توجد في غير حضارة الإسلام.




سادساً : موبقات الإيمان عند الأنصاري :
هناك أمور  تعيق في تحقيق الإيمان , ولا يتم إيمان عبد تمام الإيمان إلا إذا أبعد عقيدته عنها و قام بتخليصها منها, وهي أمور ثلاثة أشار إليها الأنصاري بقوله: "إن المسلم يلزمه أن يبعد عقيدته عن ثلاثة أمور, وهي:
-تخليصها من الشرك
-تخليصها من المعاصي
-تخليصها من البدع, فبهذا يحقق التوحيد".(الأنصاري1422: 2/509)
سابعاً : أنواع التوحيد عند الأنصاري :
أنواع التوحيد عنده على ثلاثة أقسام,ولكنه يرى زيادة قسم رابع, وهو توحيد المتابعة, أي متابعة النبي صلى الله عليه وسلم .والأقسام الثلاثة هي توحيد الربوبية ,والألوهية,والأسماء والصفات.
(الأنصاري:1422: 2/512)
النوع الأول :توحيد الربوبية :
 يعرف الأنصاري توحيد الربوبية بأنه" هو توحيد الله بأفعاله, فنوحده بأنه الخالق , السيد, المالك, المحيي, المميت, النافع والضار, وغير ذلك من أسمائه التسعة والتسعين اسماً نوحده بتلك الأسماء".(الأنصاري:1424: 25)
يرى الأنصاري أن هذا النوع من التوحيد أمر فطري يجبل عليه كل إنسان, فلا يوجد مخلوق من المخلوقات ينكر هذا التوحيد , فالمشركون كانوا يقرون بهذا التوحيد, ولكن هذا التوحيد لا يكفي في الدخول في الإسلام ,لأجل ذلك ,المشركون حوربوا وقُتِلوا واستُحِل دماؤهم وأعراضهم, فنتج من ذلك أنه لابد من الإتيان بنوعي التوحيد الألوهية, والأسماء والصفات مع الربوبية . قال –رحمه الله-:" وهذا النوع من التوحيد فطري لا يوجد مخلوق من المخلوقات أنكره".(الأنصاري :1424: 25) ولمزيد من الإيضاح ذكر مثالاً على ذلك أنه," لو وُلد ولدُ على شاهق جبل, وترك هناك, وقيض الله عز وجل له, من يطعمه, ويقوم على شأنه ,حتى بلغ , ثم أتيتَ إليه, وهو ما رأى إنساناً, ولا دخل في مدرسة , ثم واجهته على ذلك الجبل , وسألته, وقلت له , من ربك؟ يقول : ربي هو الله".(الأنصاري:1424: 27)  وقال :" وهذا النوع من التوحيد لا يكفي في الدخول في الإسلام أبداً , فالمشركون قاطبة اعترفوا بهذا النوع من التوحيد".(الأنصاري:1424: 28)
النوع الثاني: توحيد الألوهية :
ما بعث الله نبياً إلا لأجل تحقيق هذا النوع من التوحيد, وأمر سبحانه جميع الأنبياء, والرسل, أن يدعوا قومهم إلى إخلاص العبادة لله الواحد القهار ,قال تعالى:(ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل: ٣٦ وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله...الحديث"(البخاري:1421: الإيمان , ح25) قال –رحمه الله-:"فهذا هو التوحيد الذي بعث به الرسل قاطبة, قال تعالى :(وما خلقت الجن والانس الاليعبدون) الذاريات: ٥٦ أي لله يوحدون؛ يوحدونه بعبادته, ويوحدونه بمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ..."(الأنصاري:1424: 41)
ويعرف الأنصاري توحيد الألوهية بأنه" توحيد العبادة لله عز وجل بجميع أنواعها بحيث لا تصرف  أي نوع منها لغير الله من صلاة, وزكاة, وصيام, وحج , ونذر, وذبح, واستعانة, واستغاثة, وخشية, وتوكل, وغير ذلك من أنواعها الكثيرة".(الأنصاري: 1424: 43)
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات :
وهذا النوع من التوحيد اختلف فيه المسلمون كثيراً , فمنهم من يؤول أسماء الله وصفاته تأويلاً باطلاً, ومنهم من ينكر إلا بعض صفات الله سبحانه, ومنهم من يشبه صفات الله بصفات المخلوقين, ومنهم من يعطل الله عن جميع الصفات, ولكن أهل السنة والجماعة هم الوسط بين هذه الفرق , إتباعا لمنهج السلف الصالح, من الصحابة , والتابعين, ومن بعدهم, فيثبتون ما أثبته الله لنفسه, وما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف, ولا تشبيه , ومن غير تمثيل, ولا تعطيل, وأشار  إليه الأنصاري فقال:" يجب على كل إنسان أن يكون وسطاً في الأسماء والصفات بين الطائفتين المفرِّطة والمفرِطة, وهم على النحو التالي:
-الجهمية المعطلة الذين أنكروا صفات الله وأسمائه
-الممثلة المشبهة, وهم الكرامية , وهؤلاء شبهوا صفات الله عز وجل وأسمائه عز وجل بصفات,  وأسماء المخلوقات, فالتوسط بين هاتين الطائفتين يكون على الوجه التالي:
الإيمان بجميع صفات الله وأسمائه من دون تعطيل ولا تمثيل, ويجب أن يكون بها على الأسس الثلاث, وهي:
-إثباتها كما أثبتها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
-تنزيهها عن مشابهة صفات المخلوقات وأسماء المخلوقات.
-اليأس من إدراك كيفيتها.(الأنصاري:1422: 2/507)
النوع الرابع: توحيد المتابعة :
يرى الأنصاري أنه يمكن إضافة نوع رابع: وهو توحيد متابعة النبي صلى الله عليه وسلم , لأن متابعة النبي أمر أساسي للمسلم, ولا يتصور إسلام رجل يرى المتابعة دون غيره من المخلوقات, فقال –رحمه الله-:"وكثير من المؤلفين والمصنفين , وكثير من طلبة العلم يقتصرون على أنواع التوحيد الثلاثة, وليس معنى ذلك أنه لم يكن هناك توحيد رابع, كما ظن بعض الناس, بل التوحيد أربعة أقسام, سواء ذكرنا الرابع أو لم نذكره, فهو موجود ضمناً.... ويكفي دليلاً عليه شهادة الإخلاص, وشهادة الإخلاص ذات شقين: الشق الأول : لاإله إلا الله, والشق الثاني: محمد رسول الله , فالشق الأول , توحيد الألوهية. أي العبادة, والشق الثاني, توحيد المتابعة , أي إفراد النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من المخلوقات بالمتابعة,... الذي قال :لا إله إلا الله, ولم يقل محمد رسول الله, لم يدخل في الإسلام أبداً, وكذلك إذا قال : محمد رسول الله , ولم يقل : لاإله إلا الله, لم يدخل في الإسلام".(الأنصاري:1424: 43-44)                                                   
المبحث الثالث: الجانب التعبدي عند الأنصاري:
أولا: مفهوم العبادة:
 العبادة اسم شامل لكل الأقوال والأفعال الصادرة من الإنسان سواء كانت ظاهرة أو باطنة , مما يحبه الله ورسوله. وعرفها ابن تيمية : " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة".(ابن تيمية:1416: 4)
ثانياً : أسس العبادة عند الأنصاري:
العبادة لها أسس وقواعد تقوم عليها , وتنبني صحة العبادة وفسادها عليها , فلا يطلق أي شيء اسم العبادة  المبتغى بها رضوان الله إلا إذا كان مرجعه إلى هذه الأسس التي ذكرها الأنصاري وهي كالآتي:
1-الإيمان: الإيمان شرط أساسي, بل هو العماد الجذري الذي يقوم عليه العمل الصالح , فلا يقبل عمل البتة ,إلا إذا توفر شرط الإيمان في صاحبه. فالمشرك مهما فعل من الأعمال الصالحات ولكنها لا تزن عند الله جناح بعوضة بل يجعلها سبحانه هباءً منثوراً, وأشار إليه الأنصاري , فقال: قوله تعالى (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) طه: ١١٢ أي وهو مسلم, فمؤمن هنا بمعنى مسلم , فلا يقبل عمل الكافر, وهذا هو الشرط الأول".(الأنصاري: 1424: 49)
2-الإخلاص: فلا تقبل أية عبادة ولا يقبل أي عمل صالح إلا إذا كان خالصاً لوجه الله سبحانه, ولا يبتغي الإنسان من وراء هذا العمل الصالح شيئاًمن متاع الدنيا الزائل غير رضى الله, قال الأنصاري: وقوله عز وجل:(فاعبدالله مخلصا له الدين) الزمر:٢,يتضمن الشرط الثاني وهو الإخلاص". (الأنصاري:1424: 49)
 وعرف الأنصاري الإخلاص بأنه: " هو توحيد العبادة لله, أي: إفراد الله بالعبادة دون غيره من المخلوقات, سواء كان الغير نبياً, أو ملكاً, أو مرسلاً, أيٌ أحد كان, فالعبادة لله وحده, بجميع أنواعها الكثيرة المبيُنَة في كتاب الله عز وجل , وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ".(الأنصاري:1424: 44)
3-المتابعة: أي إفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة دون غيره من المخلوقات, فليتحرى العبد في أعماله أن تكون موافقة لسنة النبي في الفعل, والترك, ويتعبد الله بما تعبد به النبي على الوجه الذي فعل, فلا يكون شيء عبادة لم يفعله النبي, وأشار إلى هذا الشرط الأنصاري, فقال: "وقوله تعالى:(قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) آل عمران: ٣١يتضمن الشرط الثالث وهو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ".(الأنصاري:1424: 49 )
 ويوضح الأنصاري مفهوم المتابعة" أن يفعل مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي فعل, فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة, شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة, وإذا قصد تخصيص مكان, أو زمان بالعبادة ,خصصناه بذلك, كما كان يقصد أن يطوف حول الكعبة, وأن يلتمس الحجر الأسود, وأن يصلي خلف المقام, وكان يتحرى الصلاة خلف اسطوانة مسجد المدينة, وقصد الصعود على الصفا والمروة, والدعاء, والذكر, هناك, وكذلك عرفة, ومزدلفة, وغيرهما. وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده ,مثل: أن ينزل بمكان, ويصلي فيه, لكونه نزل ,لا قصداً لتخصيصه بالصلاة, والنزول فيه, فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه, أو النزول, لم نكن متبعين ,بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ".(الأنصاري:1424: 240)
ثالثاً : أسباب استجابة الدعاء وردِّها عند الأنصاري :
الدعاء هو العبادة , والصلاة كلها دعاء, وجاء في الحديث "الدعاء هو العبادة"(أبو داؤد: سجود القرآن , ح1479) و إن من فضل الله سبحانه, ومنٌه علينا, أنه شرع لنا أسباباً, نتوسط بها إلى الله سبحانه, لطلب سرعة استجابته سبحانه لدعواتنا, لجلب النفع, أو لكشف الضر الذي يصيبنا , وها هو أصحاب الغار, الذين توسلوا إليه سبحانه, لمّا وقعوا في الشدة , بأعمالهم الصالحة, ففرٌج الله عليهم, فعلينا أن نتمسك بما جاء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيما يلي ذكر أنواع التوسل المشروع التي إذا سأل بها العبد أُعطِي , وإذا دعا بها أجيب , وهي كالآتي:
أولاً : الأسباب المشروعة :
 1- التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى: وأشار إليه الأنصاري بقوله:" هذا وقد أغنانا الله عز وجل عما حرم من التوسلات الشركية, والبدعية, مما شرع لنا من التوسل المشروع , وهو التوسل بأسمائه الحسنى, وصفاته العلا, قال تعالى :(ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسماءه سيجزون ما كانوا يعملون) الأعراف: ١٨٠
2-التوسل بالأعمال الصالحة:  يجوز للعبد أن يتوسل بأعماله الصالحة الخالصة لوجهه الكريم في دفع الضر, أو في جلب النفع, كما فعل أصحاب الغار من بني إسرائيل, وأشار إليه الأنصاري فقال:" وكذلك شرع لنا التوسل إليه بالأعمال الصالحة من دعائه , وطاعته, واتباع رسوله, عليه الصلاة والسلام, وحبه, والإيمان به, كما في حديث أصحاب الغار الذين توسلوا إليه, لما وقعوا في الشدة بأعمالهم الصالحة, ففرج عليهم". (الأنصاري:1424: 251)
3-التوسل بدعاء رجل صالح: وهذا نوع ثالث من أنواع التوسل المشروع, والدليل على ذلك  فعلُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه  حينما توسل بعم النبي صلى الله عليه وسلم عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم . قال الأنصاري في معرض كلامه في الرد على الغماري في جواز التوسل بجاه النبي :" بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت, باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار, عام الرمادة المشهور , لما اشتد بهم الجدب, حتى حلف عمر ,لا يأكل معهم حتى يخصب الناس, لما استسقى بالناس, قال: اللهم ‘إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا, وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا, قال: فيسقون"(البخاري: الاستسقاء , ح1010)
ثانياً: الأسباب غير المشروعة :
1-التوسل الشركي: وأشار إليه الأنصاري بقوله "كالحلف بغير الله ودعاء غير الله , قال تعالى:(واذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون الا اياه فلما نجاكم الى البر اعرضتم وكان الانسان كفورا) الإسراء: ٦٧ ,وكذلك الاستغاثة والاستعاذة بغير الله, وتعليق التمائم, والحلقات, والطيرة, هذه كلها من الشرك, لا يجوز لمؤمن بالله أن يصرف الاستغاثة والذبح, والاستعاذة لغير الله, فمن صرف شيئاً منها لغير الله فقد أشرك كما جاءت به النصوص "الأنصاري:1424: 251)
2- التوسل البدعي: " كأن يقول: توسلت بجاه فلان, أو بحرمته, أو بحقه عليك, أو بفضله , أو بعلمه, فإن هذه الألفاظ بدعية, لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في واحد منها شيء صحيح, ولا حسن, بل كل ما نقل في هذا الباب موضوع, أو ضعيف جداً لا يصلح للاحتجاج به, أو صحيح خارج عن الموضوع".(الأنصاري:1424: 252)
المبحث الرابع : الجانب الأخلاقي عند الأنصاري :                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                
أولاً : مفهوم الأخلاق:
 قال ابن حجر العسقلاني نقلاً عن القرطبي بأن :" الأخلاق هي أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره, وهي محمودة,  ومذمومة, فالمحمودة على الإجمال, أن تكون مع غيرك على نفسك, فتنصف منها, ولا تنصف لها, وعلى التفصيل: العفو والحلم والجود والصبر, وتحمل الأذى, والرحمة, والشفقة, وقضاء الحوائج, والتواد ولين الجانب, ونحو ذلك, والمذموم منه ضد ذلك".(ابن حجر: 1421: الأدب , 10/561)
ثانياً :  أهمية الأخلاق:
الأخلاق لها مكانة عظيمة في الإسلام حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق"(أحمد: مسند أبي هريرة رضي الله عنه , ح8939) وقال ابن القيم :" الدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين".(ابن القيم :1393: 2/307) وقال صلى الله عليه وسلم :"إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً".(الترمذي: البر والصلة , ح2018)
 وأكد الأنصاري على ضرورة التخلق بالخلق الحسن في التعامل مع الصغار, والكبار, , فيوقر المشائخ , ويرحم الصبيان, ويكرم صاحب المنزلة, وإن كان أدنى منه, ويخالق أهل الدنيا وأهل الآخرة بأخلاقه الحسنة, قال-رحمه الله-:"ويخالق الناس بالخلق الحسن, فيوقر المشائخ, ويرحم الصبيان. وفي الحديث:" ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا, وينزل الناس منازلهم".(أحمد: مسند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه , ح6937) فيزيد في إكرام ذي المنزلة وإن كانت منزلته في الدنيا, وإن كان عند ذي جاه ,لم يذهب عنه حتى يستأذنه, ويقيل ذا الهيئة عثرته, ويتجافى عن عقوبته, ويشفع لمن له حاجة إلى من له عنده جاه, ولا يلتمس من الجاهل , والغني ما يطلب من الورع العالم, بل يخالق أهل الدنيا, ويخالق أهل الآخرة بأخلاقهم".(الأنصاري:1425:  230)
ثالثاً : أصول السلوك الخلقي عند الأنصاري :
ويقصد بأصول السلوك الخلقي : الأسس التي ينبني عليها سلوك الإنسان المحمود, وهي تشمل البذل والكف والاحتمال".(الحازمي:1426هـ:160) وقال ابن القيم: "هو بذل الندى وكف الأذى واحتمال الأذى".(ابن القيم:1393: 2/307)
أولاً: بذل الندى :
على المسلم أن يكون جواداً , سخياً معيناً لإخوانه المسلمين في السراء والضراء, قال الأنصاري:" إن استعان بك أعنته , وإن استقرضك أقرضته , وإن غاب حفظته, وإن افتقر جدت عليه" وقال أيضاً: "وإن اشتريت فاكهة فأهد له, فإن لم تفعل فأدخلها سراً, ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده, ولا تؤذه بقُتار قدرك إلا أن تغرف له منها".(الأنصاري:1425: 224)
ثانياً: كف الأذى :
ويقصد به الكف والامتناع عن كل ما يؤذى غيرك, سواء كان هذا الغير إنسانا أو حيواناً , مسلماً أو كافراً, لأن الإسلام يأمر بالإحسان في كل شيء حتى مع الحيوان , فقال –رحمه الله-في حق الجار:" ولا تستطل عليه بالبناء, فتحجب عنه الريح إلا بإذنه".(الأنصاري:1425: 224)
وقال أيضاً: "ويحرم التخلي في طرق الناس وظلهم , لما فيه من أذية المسلمين بتنجيس من يمر به واستقذاره" .(الأنصاري:1425: 207)
ثالثاً: احتمال الأذى :
 الصبر على الأذى أمره عظيم وفضله كبير, وهو من أعلى مراتب الأخلاق , قال الأنصاري:" وحسن الجوار هو: الصبر على أذى جاره".(الأنصاري:1425هـ:223).
وقال الله تعالى :(والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم)الاية ,النساء: ٣٦ ويصبح أمر الصبر أوكد في حق المعلم والداعية كما أشار إليه الأنصاري" من أخلاق المعلم والداعية والمرشد: أن يكون موحداً , وأن يعمل بمقتضى التوحيد, وأن يدعو وينهى , وأن يصبر على أذى من يدعوهم".(الأنصاري:1422: 496)



رابعاً : بعض الأفعال الخلقية عند الأنصاري:
ذكر الأنصاري العديد من الأفعال, والصفات الخلقية, التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم , وهذه الأفعال الخلقية, كلها تنحصر في أمور ثلاثة , وهي: البذل, والكف , والاحتمال أو الصبر, ويذكر هنا الباحث بعضاً منها:
1-الاهتمام بالطهارة والنظافة:
 الإنسان مأمور بالطهارة, والنظافة في جميع الأحوال , لاسيما إذا كان العبد في حال التقرب إلى الله تعالى, وقال فيه الأنصاري: "ويستحب السواك : لأنا مأمورون في كل حالة من أحوال التقرب إلى الله أن نكون في حالة كمال, ونظافة, إظهاراً لشرف العبادة".(الأنصاري:1425هـ:210) وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".(بخاري:1421: الجمعة , ح887)
2-إكرام الناس وتعاونهم والعفو عمن أساءه:
 قال-رحمه الله-:"ويخالق الناس بالخلق الحسن, فيوقر المشائخ, ويرحم الصبيان. وفي الحديث:" ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا, وينزل الناس منازلهم".(أحمد: مسند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه , ح6937) فيزيد في إكرام ذي المنزلة وإن كانت منزلته في الدنيا, وإن كان عند ذي جاه لم يذهب عنه حتى يستأذنه, ويقيل ذا الهيئة عثرته, ويتجافى عن عقوبته, ويشفع لمن له حاجة إلى من له عنده جاه, ولا يلتمس من الجاهل والغني ما يطلب من الورع العالم, بل يخالق أهل الدنيا ويخالق أهل الآخرة بأخلاقهم".(الأنصاري:1425: 230)
3-إلقاء السلام على الناس:
 من حق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه , ويجيبه إذا دعاه, ويشمت إذا عطس , ويعوده إذا مرض وغير ذلك من الحقوق الواردة في الحديث, قال الأنصاري:" وحق كل مسلم أن تسلم عليه كلما لقيته, وتجيبه إذا دعاك...".(الأنصاري:1425: 229)
4-عدم التخلي في طرق الناس وظلهم:
إن إيذاء المسلم حرام أي نوع من الإيذاء , وكذلك كل ما يؤدي إلى إيذاء المسلمين من قول أو فعل ومن الإيذاء التخلي في طرق الناس وظلهم, قال الأنصاري: "ويحرم التخلي في طرق الناس وظلهم ,لما فيه من أذية المسلمين بتنجيس من يمر به واستقذاره".(الأنصاري:1425: 207)  
وفي الحديث , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا اللعَّانَين, قالوا: وما اللعّانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طرق الناس وفي ظلهم".(مسلم: الطهارة , ح269).


5-تجنب البول في محل الاغتسال:
 يحذر الأنصاري من التبول في محل الاغتسال , فقال: "ويتجنب البول في محل الاغتسال, وهذا نهي كراهة لما رواه عبد الله مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه, فإن عامة الوسواس منه".(أبو داؤد: الطهارة , ح27) (الأنصاري:1425: 208)
6-ستر العورة وترك الكلام حال قضاء الحاجة :
قال:" ويجب ستر العورة وترك الكلام حال قضاء الحاجة. عن أبي سعيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: "لا يخرج الرجلان يضربان الغائط, كاشفين عورتهما, يتحدثان , فإن الله يمقت على ذلك".(أبو داؤد :الطهارة , ح 15) (الأنصاري:1425: 209)
7-القعود في البول:
 يرى الأنصاري سنية القعود في البول و كراهية القيام, فقال: "ويسن القعود في البول, ويكره القيام , لما روته عائشة-رضي الله عنها-قالت:" من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائماً, فلا تصدقوه , ما كان يبول إلا جالساً".(النسائي:1406: الطهارة , ح29) (الأنصاري:1425: 208).
خامساً : الوسائل الواقية من فساد الأخلاق عند الأنصاري :
من المعلوم بالضرورة أن الوقاية أفضل من العلاج, لأن العلاج يحتاج إلى جهد ووقت ومال, ثم إنه ليس من الضروري أن يكون العلاج ناجحاً ,لأجل ذلك يركز الإسلام على الجانب الوقائي أكثر, فحرم الخمر والزنا , والخلوة بغير المحارم  , ونهى عن كل ما يفسد الأخلاق, وفي جانب ذلك دلّ على كل ما يساعد في اكتساب الأخلاق, فأمر باختيار الزوجة الصالحة , واختيار البيئة الصالحة , واختيار الجليس الصالح, وأكد الأنصاري على ضرورة الوقاية من الوسائل التي تفسد أخلاق الناشئ, ومن هذه الوسائل مايلي:
1-إبعاد النشء عن مدارس الغربيين :
 قال الأنصاري :"أما ما نراه على النشء الذين يتعلمون في مدارس الغربيين – قاتلهم الله-من التحلل, والمروق من الدين, فهو لما ينفثونهم من سموم الإلحاد, والبعد عن الدين الحق, فلذا يجب على المسلمين كافة, أن لا يرسلوا أبناءهم إلى بلاد الأفرنج للتعلم , لأن النشء إذا شب بينهم, لابد وأن يتخلق بأخلاقهم , والأوفق بالمسلمين إن أرادوا تعليم أولادهم بعض العلوم الحديثة, كالميكانيكا, والهندسة, أن يفتحوا المدارس في بلادهم, ويجلبوا إليها هؤلاء المهندسين , وبهذا يمكن لهم, حفظ أخلاق أولادهم ودينهم".(الأنصاري: 65).



2-عدم صحبة الأشرار والحمقى والحريص والكذاب :
 يحذِّر الأنصاري من صحبة الأشرار, وكذلك الحمقى , لأن الإنسان يتأثر بصاحبه, ويقال: المرء على دين خليله  فلينظر من يخالل".
وقال الأنصاري تحت عنوان (فصل :في الأصدقاء والمعارف والمجاهيل):"فلا تواخ منهم إلا من جمع خمس خصال: العقل, وحسن الخلق, والصلاح, والزهد, والصدق, فلا خير في صحبة الأَنوك, وهو الأحمق الجاهل, ولا من ساء خلقه, ولا الفاسق, لأن من لا يخاف الله تعالى لا تؤمن غائلته , وصحبة الحريص سم مُزعفٌ,  ذلك الكذاب ".(الأنصاري:1425: 228- 229)
3-عدم السفر إلى بلاد انتشر فيها الفساد :
الشيخ يرى عدم السفر إلى بلاد انتشر فيها الفساد الخلقي الديني, مثل: التبرج, والاختلاط, وغير ذلك, فقال: "أنا أنصح بأن لا يسافر أحد إلى مصر, ولا سوريا, ولا المغرب , ولا غيرها, فضلاً عن أوربا, والله المستعان". وقال ابنه تعقيباً عليه:" وذلك لكثرة التبرج والفتن في الخارج, والله المستعان.(الأنصاري:1422: 2/557)
















المبحث الخامس : الجانب الاجتماعي عند الأنصاري:
تمهيد :
إن الشريعة الإسلامية تهدف إلى إقامة مجتمع, قوي, مترابط الأطراف, مستقر , هادئ, تسود بين أفراده المودة , والمحبة, وروح البذل, والعطاء, والرحمة , والعدالة, ثم لا تكون هناك صراعات, وتناقضات , تثير شعلة الحقد , والبغض, والكراهة, والشحناء فيما بينهم, بل يكون ثمة, تعامل أخوي ودي, وكلٌ يعرف حقوقه تجاه الآخرين, فيوقر الصغيُر الكبيرَ, ويرحم الكبيرُ الصغيَر, وكلٌ يحرص على إفادة إخوانه الآخرين , بجلب أنواع الخير لهم, وكف الشر, وصرف جميع صنوف الأذى عنهم, ثم أن يستشعر الجميع بمسؤولية الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, امتثالاً لقوله تعالى :(كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)الآية ,آل عمران: ١١٠  وهذه أعظم ميزة تميز بها المجتمع الإسلامي عن المجتمعات الأخرى .
فلنحرص على غرس العقيدة الإسلامية في نفوس أفراد المجتمع ,ونفخ روح المودة , والمحبة, والإخاء, والعدالة في قلوبهم, وإيجاد الوعي بينهم بمراعاة حقوق الآخرين ليقوم مجتمع إسلامي على دعائم قوية راسخة.
أولاً : أسس بناء المجتمع الإسلامي عند الأنصاري :
إن المجتمع الإسلامي لا يمكن أن يقوم إلا إذا قام على أسس قوية راسخة, والأسس الراسخة هي التي تنبثق من المصدر المنزل من الله الذي خلق هذا الكون , ودبر له, ووضع له منهجاً إذا سير عليه يقوم مجتمع يتحقق فيه آمال الغني والفقير, والرئيس والمرؤوس, وهذه الأسس كالتالي:
1- تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجوع إليهما:
يؤكد الأنصاري إلزام الشباب والشابات الرجوع إلى القرآن والسنة, والتمسك بهما, وعدم الخروج في تعاليمهم , ودراساتهم عن هذين الأصلين إذ هما السبيل الوحيد لتكوين المجتمع الإسلامي المتكامل, فقال:" بأن لا يسمح لأي شاب ولا شابة أن يخرج في تعاليمه  ودراساته عن هذين الأصلين إذ هما السبيل الوحيد لتكوين المجتمع الإسلامي المتكامل".(الأنصاري:1422: 172)
2-التمسك بالعقيدة الإسلامية المنبثقة من الكتاب والسنة :
التمسك بالعقيدة الإسلامية هي السبيل الوحيد لتوحيد الصف , وتكوين المجتمع الإسلامي, لأن البنيان الداخلي للمجتمع يتزعزع نتيجة فقدان العقيدة قوتها الدافعة إلى طريق واحد, وإلى هدف واحد.
قال د. مقداد يالجن:"ولهذا جاء الإسلام بعقيدة التوحيد, ودعا الناس إليها, لأنها إذا رسخت في القلوب , دفعت إلى توحيد الصف والطريق والاتجاه والهدف".(مقداد يالجن:1424: 86) وأشار إليه الأنصاري فقال:"....وهم(أعداء الإسلام) يدركون إدراكاً جيداً أن سِرَّ قوة المسلمين تكمن في إسلامهم وعقيدتهم, فلو التزم المسلمون بالإسلام لأصبحوا قوة عظمى في العالم, مرهوبة الجانب, قوية السلطان, مالكة لزمام الحضارة المادية والروحية".(الأنصاري:1422: 172)
3- إصلاح المرأة المسلمة وإنقاذها من أدعياء تحرير المرأة:
إن المرأة هي أساس الأسرة, بل  هي تمثل اللبنة الأولى التي  يقوم عليها المجتمع  , فينصلح المجتمع بصلاحها, ويتزعزع بتزعزعها, وهي المحضن الأول الذي يتربى فيه الأطفال الذين هم رجال الغد, فإذا غرس بذور الخير في نفوسهم منذ أول يومهم, ونٌزِع بذور الشر من نفوسهم في بداية أيام حياتهم , ينشأون-إن شاء الله-رجالاً صالحين يرون سعادتهم  بسادة المجتمع , ويرون شقاوتهم بشقاوته, وإذا كان الأمر كذلك يقوم مجتمع إسلامي متكامل بمشيئة الله. 
واستشعاراً بأهمية المرأة في المجتمع وجّه الشيخ نصيحته إلى المرأة المسلمة ,فقال:" نصيحتي للمرأة في هذا المجتمع بالذات أن تحافظ على حقوقها التي وهبها إياها الإسلام, وأن تعمل على تجسيدها في الواقع, وتطبيقها في المجتمع , وأن تكون غايتها رضى الله والحرص على طاعته, وأن لا تستجيب لدعاة التعري والانحلال الذين يبدؤون دائماً من حيث انتهى الآخرون".(الأنصاري:1422: 172) وقال أيضاً: "فالمرأة المسلمة صمام الأمان في أي مجتمع, فهي أساس الأسرة, ومحضن البذرة, فإذا انفلتت كما يريد لها أعداء الإسلام, وأدعياء تحرير المرأة... انهارت الحياة حتى فقد الحنان, والرحمة, وذبلت وتحولت إلى حياة صخرية قاسية, تولد الآلام وتزرع الأنانية, والبغضاء ,وتنتج الكراهية والحقد".(الأنصاري:1422: 173).
ثانياً : أنماط العلاقات الاجتماعية عند الأنصاري :
إن المجتمع الإسلامي يتميز بخصائص ومميزات تميزه عن المجتمعات الأخرى, ومنها: إقامة العلاقات الأخوية القائمة على المودة والرحمة والعدالة والإيثار والبذل والعطاء , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, واحترام حقوق الناس المالية والبدنية باحتفاظها وعدم التلاعب بها  لكي يبقى المجتمع قائماً على الدعائم التي بني عليها , ولا يتعرض  لتفكك بنيانه من الداخل,  وذكر الأنصاري أنماطا من العلاقات الاجتماعية, وأنواعاً من الحقوق المرتبطة بها التي لا بد من مراعاتها وأداءها على الوجه المطلوب, وهي كالتالي:
1- حقوق الوالدين: أمر الله عباده ببر الوالدين والإحسان إليهما, قال تعالى :(وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا)الاية,الإسراء: ٢٣ " ويجب الإحسان إليهما وإن كانا كافرين,: (وصاحبهما في الدنيا معروفا)الآية, لقمان: ١٥   ويحرم على الولد أن يفعل بهما ما يتأذى به تأذيا, قال صلى الله عليه وسلم " رضى الرب في رضى الوالدين , وسخط الرب في سخط الوالدين".(الترمذى: البر والصلة, ح1899) قال الأنصاري: "ويحرم على الولد السفر إلى الجهاد بغير إذن الوالدين لما يشق عليهما من توقع قتله, أو قطع عضو من أعضائه, ولشدة تفجعهما بذلك, ويلحق بذلك كل سفر يخاف فيه على نفسه".(الأنصاري:1425: 216).
2-حقوق الولد على الوالد:
قال الأنصاري: "ورد في الأثر أن  من حق الولد على الوالد ثلاثة أشياء: أن يحسّن اسمه إذا ولد, ويعلمه الكتابة إذا عقل, ويزوجه إذا أدرك" وقال أيضاً: وإن كان أنثى زوَّجها تقياً جميلاً, وينفق عليه, ويكسوه إذا احتاج".
ومنها: تسويته بين أولاده في العطية؛ غنيهم  وفقيرهم, وذكرهم وأنثاهم  لما ورد في الصحيحين أن بشير بن سعد قال :"يا رسول الله إني أعطيت ابني عطية, وإن أمه قالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال رسول الله :أعطيت كل ولدك مثل ذلك؟ قال:لا, قال صلى الله عليه وسلم :اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم, أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء, قال: بلى, قال صلى الله عليه وسلم :فلا إذن".(البخاري:1421: الهبة, ح 2587)
3-حقوق الزوج:
ذكر الأنصاري حقوق الزوج على الزوجة" أن لا تحنث قسمه , ولا تكفر نعمه, ولا تخرج من بيته إلا بإذنه, ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه, ولا تأذن في رحله في شيء يكرهه, ولا تأكل وتلبس ما يؤذيه, ولا تكلم رجلاً من غير محارمها إلا بإذنه, وعليها الرفق بأقاربه, والأدب مع إخوانه وأعمامه وأخواله, والرعاية لذريته بعد موته, ولها أن تأخذ من ماله ما تعلم رضاه به, وأنه لا يغضب له, ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان له أجرها بما أنفقت, ولزوجها أجره بما كسب, وللخازن مثل ذلك,لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً".(البخاري:1421: الزكاة, ح1425) (الأنصاري:1425: 220)
4-حقوق الزوجة على الزوج:
ومن حقوق الزوجة على الزوج: " أن يحسن معاشرتها لقوله تعالى :(وعاشروهن بالمعروف)الآية, النساء: ١٩ " ويحتمل عنها وإن تطاولت عليه, ويعفو عن زلتها, ويصبر عليها إن ضعفت".
"ويعلمها ما تحتاج إليه من أحكام الوضوء والصلاة والصوم والحيض ونحو ذلك مما لا بد لها من معرفته".
"ويطعمها من الحلال, ولا يظلمها شيئاً مما يجب لها من الحقوق المتقدمة, ولا يلبس  ويأكل ما يؤذيها, ولا يمنعها زيارة والديها, ولا الخروج إلى المسجد إلا لخوف فتنة, لما في الصحيحين, واللفظ للبخاري:" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"(البخاري:1421: الجمعة, ح900)
"ومن حقوقها على زوجها أن يتزين لها كما يحب أن تتزين له".(الأنصاري:1425: 221-222).



5-حقوق ذوي الأرحام:
والمراد بذوي الأرحام:" القرابة كالآباء والأمهات, والبنين والبنات, والإخوة والأخوات, والأعمام والعمات, والأخوال والخالات, ونحوهم من القرابات المشتبكات ,وفي الحديث:" الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله".(مسلم: البر والصلة والآداب, ح2555 ) (الأنصاري:1425: 214)
وبعد ذكر المعنيين بذوي الأرحام يشير الأنصاري إلى بعض طرق صلة الأرحام فقال:" وصلتها أن يفعل الإنسان بأقاربه ما يُعدّ به مواصلاً غير منا فرٍ ولا مقاطع".
" فإن كان عندهم وصلهم بهدية ونحوها, فإن لم يقدر على الصلة بالمال, أو لم يكونوا محتاجين, وصلهم بزيارة وإعانة في أعمالهم إن احتاجوا".
"وإن كان غائباً عنهم ,وصلهم بالكتاب وإرسال السلام,ولين الكلام, ونحو ذلك".(الأنصاري:1425: 215)
6-حقوق الجار :
يعدد الأنصاري الحقوق المتعلقة بالجار أنه:" إن استعان بك أعنته, وإن استقرضك أقرضته, وإن غاب حفظته, وإن افتقر جدت عليه, وإن مرض عدته, وإن مات اتبعت جنازته, وإن أصابه خير هنأته, وإن أصابته نكبة عزيته". وقال "ولا تستطل عليه بالبناء, فتحجب عنه الريح إلا بإذنه".
"وإن اشتريت فاكهة فأهد له, فإن لم تفعل فأدخلها سراً, ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده, ولا تؤذه بقُتار قدرك إلا أن تغرف له منها "وجاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه".(مسلم: الإيمان, ح 46) وفيه أيضاً: "إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك".(مسلم: البر والصلة والآداب, ح2625)
7-حقوق المملوك:
أشار الأنصاري إلى حقوق المملوك أيضاً فقال:" وأما المملوك فحقه أن يشركه في طُعمته وكسوته, ويعفو عن زلته, ولا ينظر إليه بعين الكبر والازدراء, ويحسن معاشرته, ولا يكلفه فوق طاعته, وإن استباعه باعه, وأن يعلمه مهم دينه, ويجب عليه تمكينه من فعل الصلاة, ويجب عليه أن يمكنه من نفسه زماناً يكتسب فيه قدرة أجرة التعليم إن لم يجد متبرعاً, قال تعالى:(ان الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) النحل: ٩٠ وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم , واللفظ للبخاري: "ألا وكلم راع وكلم مسئول عن رعيته, فالإمام الذي على الناس راع, وهو مسئول عن رعيته, والرجل راع على أهله ومسئول عنهم, وعبد الرجل راع على مال سيده, وهو مسئول عنه, ألا فكلم راع وكلم مسئول عن رعيته".(البخاري:1421: الجمعة, ح893) (الأنصاري:1425: 227)
الفصل الخامس
الخاتمة
الحمد لله  الذي بنعمته تتم الصالحات , وبفضله وكرمه تنال الحسنات , وترفع الدرجات , ثم الصلاة والسلام على النبي الأمي الذي فضَّله الله على الخلق أجمعين , وجعله أسوة , وقدوة للخالفين ,  وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين , ومن سار على نهجهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين .  وبعد:
أشكر الله سبحانه أولاً و آخراً أن وفقني لإتمام هذا البحث , وفي نهاية المطاف يقدم الباحث بعض النتائج التي توصل إليها ويرى أهميتها, وهي :
1_إن كتب العلماء زاخرة بالقواعد والأسس التربوية التي ينبغي الاعتناء بها والاستفادة منها  في جميع مناحي الحياة , خاصة في العملية التعليمية والتربوية.
2_إن الشيخ حماد الأنصاري له جهود كثيرة في تربية الطلاب وتعليمهم , وله آراء جيدة متعلقة بالعملية التعليمية, مثل : آداب المتعلم , ومقومات شخصية المعلم السلوكية والمهنية,  والمبادئ العامة في العملية التعليمية التي ذكرها الباحث في الفصل الرابع من هذا البحث,  ينبغي الاستفادة منها في المواقف التعليمية.

التوصيات:
1_على أولياء الأمور  تربية الأولاد على عقيدة التوحيد,وعلى مبادئ التربية الإسلامية الصحيحة, وعلى  الأخلاق الفاضلة ووقايتهم  من الأسباب والوسائل التي تفسد أخلاقهم  ودينهم.
2_لا بد من تربية الأولاد على مراعاة حقوق الآخرين  وأدائها على أكمل وجه.
3_توجيه طلاب الدراسات العليا الى إجراء دراسات علمية في سيرة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله وإبراز اهم الجوانب التربوية من خلال كتاباته.

المقترحات: 
·       اجراء دراسة حول الفكر التربوي عند الانصاري رحمه الله .
·       نشر مؤلفات الشيخ رحمه الله وتدريس مؤلفاته في المرحلة الجامعية.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
المصادر والمراجع
·       القرآن الكريم.
·       ابن تيمية, أحمد بن عبد الحليم (العبودية) تحقيق علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد الحلبي الأثري, مكتبة دار الأصالة , ط 2, 1416هـ.
·       ابن قيم الجوزية, محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله (مدارج السالكين) تحقيق محمد حامد فقي, دار الكتاب العربي , بيروت , ط2 , 1393هـ.
·       أحمد بن حنبل(مسند الإمام أحمد بن حنبل, ) الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرناؤوط, مؤسسة قرطبة, القاهرة, دون تاريخ.
·       الأنصاري , حماد بن محمد أبو عبد الله(إعلام الزمرة بأحكام الهجرة) مكتبة الدار بالمدينة ,  دون تاريخ.
·       الأنصاري, حماد بن محمد أبو عبد اللطيف (مختصر الحقوق) مطبوع ضمن  مجموعة ( رسائل فقهية) للشيخ حماد الأنصاري, مكتبة الفرقان , الإمارات العربية المتحدة, عجمان , ط 1 , 1425هـ.
·       الأنصاري, حماد بن محمد أبو عبد الله (تحفة القاري في الرد على الغماري) مطبوع ضمن  مجموعة ( رسائل في العقيدة) للشيخ حماد الأنصاري, مكتبة الفرقان , الإمارات العربية المتحدة, عجمان , ط 1 , 1424هـ
·       الأنصاري, حماد بن محمد أبو عبد الله (تفسير سورة الفاتحة وبيان ما تضمنته من أنواع التوحيد) مطبوع ضمن  مجموعة ( رسائل في العقيدة) للشيخ حماد الأنصاري, مكتبة الفرقان , الإمارات العربية المتحدة, عجمان , ط 1 , 1424هـ
·       الأنصاري, عبد الأول بن حماد ( المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله وسيرته وأقواله وأفعاله) ط 1, 1422هـ , دون الناشر.
·       البخاري , أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (صحيح البخاري مع الفتح) تعليق الشيخ ابن باز, ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي,  دار السلام , الرياض, ط 1,  1421هـ
·       الترمذي, محمد بن عيسى (جامع الترمذي) تحقيق أحمد محمد شاكر, وآخرون, دار إحياء التراث العربي, بيروت, دون تاريخ.
·       الحازمي, خالد بن حامد (أصول التربية الإسلامية)  دار الزمان للنشر والتوزيع, المملكة العربية السعودية, ط 2 , 1426هـ.
·       الدويش, محمد عبد الله (المدرس ومهارات التوجيه) دار الوطن , الرياض, ط 2 , 1416هـ.
·       السجستاني, سليمان بن الأشعث أبو داؤد(سنن أبي داؤد) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد, تعليق كمال يوسف الحوت, دار الفكر, دون تاريخ.
·       السعدي, عبد الرحمن بن ناصر (الرياض الناضرة والحدائق الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة, المجموعة الكاملة, الثقافة) مركز صالح بن صالح الثقافي, عنيزة , ط 2, 1412هـ.
·       العسقلاني, أحمد بن علي بن حجر (فتح الباري شرح صحيح البخاري), تعليق الشيخ ابن باز, ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي,  دار السلام , الرياض, 1421هـ.
·       الفوزان , صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان (شرح العقيدة الواسطية ) الإدارة العامة للطبع والترجمة , الرياض , ط 5, 1411هـ.
·       القز ويني , محمد بن يزيد أبو عبد الله (سنن ابن ماجة) تحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي , دار الفكر , بيروت, دون تاريخ.
·       الكناني, بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة (تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم) تحقيق وتعليق السيد محمد هاشم الندوي, دار الكتب العلمية , بيروت , ط 1 , 1423هـ.
·       النسائي, أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن(سنن النسائي) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة, مكتب المطبوعات الإسلامية, حلب, ط2, 1406هـ
·       النيسابوري, مسلم بن الحجاج القشيري,(صحيح مسلم) تحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي, بيروت, دون تاريخ.
·       يالجن, مقداد( أهداف التربية الإسلامية وغايتها ) دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع , ط 3 , 1424هـ.